الأحد، يونيو 26، 2011

سباق الشربة، قريباً

لشهر رمضان طقوس حميمة في ليبيا كما العالم الإسلامي، شابتها ظاهرة اختلافٍ على يومي صيامه وإفطاره، مَرَدُّها الظاهري عدم وجود دار للإفتاء، تعويم المسؤولية بين مركز الاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء وبين الهيئة العامة للأوقاف وشؤون الزكاة، ليقوم بالنهاية الفقيه البغدادي المحمودي بالنهاية بإعلان اليوم الذي (تَقَرَّر) أن يكون أول أيام الشهر قبل سويعات من بزوغ نهاره.
أما مَرَدُّ الخِلاف الباطني، فلا أحد يعرفه من عامة الشعب ولا المحمودي نفسه، فقط شيخ الطريقة (بوشفشوفة) يملك الجواب.
بل وطال الأمر يوم الأضحى، الذي يلي شرعا وعقلاً يوم الوقوف بِعَرَفة، فقدَّمه يوماً ليُحدِث فتنة بين صائم طلباً لثواب صوم يوم عرفة، ومفطرٍ متتبع لفتوى المحمودي، ولكن هذه قصة أخرى.
ملاحظة: قد تُضْطَرَّ للاستعانة بقاموس (ليبي-عربي) -إن وجد واحد- لفهم مفردات النصوص التالية، لكنك لن تفهم حينئذٍ روح النص، ليَحُقَّ عليك القول الليبي الشهير: كانك ما جيتش ليبي فاتك الجو كله.
------------------------------------------------
- زعما أمتا رمضان؟
- قالوا بعد غدوتين...
- لكن أنا سمعت أن مركز أبحاث الفضاء قال بعد غدوة.
- مش عارف شن دَخِّل مركز جرندايزر في صيامنا كل عام وعندنا أوقاف.
- تي ماهو قالوا حسابات فلكية وأنظر شني.
- لا حسابات لا زلحة، قداش لينا نصيموا عكس العباد، تحسابه حق مركز الاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء ورا صيامنا؟ تي والله إلا هو اللي يلعبلنا في صيامنا كل عام على كيفه، مش عارف شن قاعد إيدير متع الأوقاف، كان يقيم شنطته ويرحل خيرله.
- ششششششششششش وطِّي حِسِّك يا دعوة، وأنت شن تبي إدِّير؟
- بناخذ كلام الشيخ الصادق الغرياني، العام اللي فات ناس سألوه نفس السؤال، مشى قال الصيام والإفطار على رؤية الهلال، مش تَفَنْقِي واحد يفركسنا وبعدين يطلع ويقول خيركم صمتوا غلط، ويطلعلنا صايم والا فاطر عكسنا.
- كلامك والله إلا صح، يا راجل خللى ناس السنين الأخيرة تفوت فيه وتصيم وتفطر على الشرع، يبِّي الناس تشبك وتغَلّط في بعضها!!! قِينَّا مِنَّه، شن درت في سبيزتك ...
------------------------------------------------
لا بد من يوم تتأخر فيه عن البيت حتى اللحظة الأخيرة قبل لحظة الإفطار، لتنقلب أنت وسياراتك كسباً للزمن إلى مشروع صاروخ قد ينفجر في شوارع المدينة التي حَوَّلتها إلى مِضمار سباق كبير كي تلحق بصحن شربتك، ولا مفر من بعض الكبحات المفاجئة للفرامل واللسان والكثير من المنبه و(اللهم إني صائم) لأنك تنسى أن كثيرين غيرك يخوضون نفس السباق، قبل أن يهمد محرك سيارتك فتشتم لأول مرة رائحة (شياط) إطاراتك لأن سرعتك لم تمنحها فرصة النفاذ إلى أنفك عقاباً لك على تهورك، ولكن لا وقت لديك ولا لأنفك لشم المزيد فالشربة تنتظر.
جلسة سريعة على مائدة الإفطار، الفرصة السنوية الوحيدة ليجد القنفود طريقه إلى تلفازك (ونقود المعلنين)، وربما نافَسَتْهُ الليبية، أو الشبابية -أكثر المحطات ابتذالاً.
ينطلق أخيراً مدفع الإفطار، لُقيمات، رُكيعات في البيت أو المسجد، عودة لازدراد ما تيسر من طعام، قليل من حكايات البسباسي -من أجل لحنها فقط بعد ترِّدي مضمونها، ثم يأخذك مسلسل "غصباً عنك" الشهير على حين غرة متسببا لك بعسر هضم، فتُبَسْمِل وتُحَوْقِل وتحاول استباق المزيد من الطلة البهية للبطل وطعامك يتناثر من فمك صارخاً في وجه أقرب شخص لجهاز التحكم "حَوِّل البلوة"، لكن الثوان المعدودات التي سرقها منك -بوجهه البغيض وطريقته الأثيرة في ترديد "إلـ إلـ إلـ" "- تتكفل بمزاجك فتدفعك للجهر ساخطاً "درَّه كبده الله يرفعه"، وتهز رأسك محاولاً طرد ذكرىً مشاهد أليمة نقلها التلفاز الليبي منذ عقود مضت ساعة الإفطار، شباب أعدموا على رؤوس الأشهاد قرباناً للشيطان القذافي.
سرعان ما يسبغ الله عليك نعمة النسيان لتعود إلى شأن ديني أو دنيوي يلهيك بطل المسلسل البغيض حتى حين.
- صحة فطورك، صَلَّيت التراويح؟
- الحمد لله.
- ربنا يتقبل.
- منا ومنكم، شن رايك في برامج الإفطار؟ عجبني الكور السنة هادي.
- حتى كافو وبوقندة جو عليهم.
- والشراقة مشالله عليهم، صلاح الشيخي، وخالتي مشهية، وصالح الأبيض.
- حسرة على أيام زمان، هيييييه، تتفكر في هوا الشي ولمتنا الحلوة...
- حقة شفت الكاميرا الخفية؟
- الله يسحقهم، مرزن دمهم المصايب، تقول موصيينهم يرعشوا العباد، كأنهم ناقصين.
(باب الحارة) أو أي هباب آخر يصدح من التلفاز، سحور فقرآن فجر إن كنت تَنْشُد مزيداً من الثواب، فصلاة فجر حاضرة.
لا بد للشخير من مصدر في منزلك، إن لم تكن أنت فلا بد أنها هي، ألم تتعود بعد على ................................خخخخخخ.
------------------------------------------------
ذات السيناريو يتكرر الأيام التالية حتى الليالي الأخيرة للشهر، التي ستشهد لهاثك وراء (الحلاوات) و(حوايج الصغار) و(الفطرة)، وتنتظر (فرمان) العيد حتى آخر سويعات، ولن تجد إجابة تفسر مخالفة ليبيا للدول الإسلامية الأخرى سوى داءاً في رأس واحد، ولا بأس ببعض المعترضين الذين يتمنون لو تأخر أو تقدم يوم العيد حسب ظروفهم، ولكنك لن تجادل جارك رغم علمك أنه لن يشي بك على عدم قبولك فتوى المحمودي ومَنْ وراءه لأنهما أهل هوى، فقررت صيام أو إفطار يوم متبعاً إجابة أهل العلم والثقة، ولن يشي بك جارك أيضاً لأنه يعلم أن الخلاف بين الجميع هو وقود آلة نظام القذافي كي يستمر، وأنتما لا تريدان له أن يستمر.
------------------------------------------------
هذا عن الشهر المبارك سابقاً، فكيف عنه هذا العام، ولن أقول لهذه السنة من باب التفاؤل؟ لأن ذِكر كلمة عام اقترن في القرآن بالخير في حين اقترنت كلمة سنة بخلافه كما في سورة يوسف.
طرابلس أسيرة، العديد من المدن الغربية بين الأسر والحصار، والقذافي البغيض يقرر تغييب مظاهر حلول الشهر.
أي حزن يستبد بك وأنت ترى أبناء وطنك من مليشيات القذافي يتربصون بك وبإخوانهم وينتهكون حرمة شهر معبودك من أجل معبودهم؟
ماذا ستفعل في قوت يومك؟ بل وماذا ستفعل في سباق شربتك وسيارتك تعاني من عطش مزمن؟
أي سُمٍّ ستتجرعه على مائدة قنوات بوشفشوفة؟
ماذا ستفعل مع جارك وأنت على خلاف معه بسبب مشاهدته قنوات القذافي، مدركاً أنه لا يشاهدها يقيناً بصدقها بقدر محاولته التماس أمانٍ موهوم، رغم أنه ما يزال يصون عشرتك ووِدِّك فلم ولن يشي بك ولو قطَّعوه.
بل وتدركان معاً أن سبب قرار القذافي تغييب مظاهر الشهر هو دفع الناس للتخبط دون معرفة يوم بدء الصيام، وتغييب موعد الإفطار في الإذاعات، وموعد صلاة التراويح، وحتى موائد الرحمة التي ستشتد الحاجة لها في ظل الظروف السيئة التي تمرون بها، وإرغام الجميع على العمل ساعات دوام كاملة دون انتقاص.
والأدهى، تتوقع تبريره تعدي حرمة الشهر المبارك للتعدي على حرمة الدماء.
تتنهد وأنت لا تعرف ما تفعل.

تخفض رأسك، ويضيق صدرك، فتشرع بالدعاء (يالطيف إجعل لنا من هذا البلاء تصريف) و(العبرة) تكاد تبتز مقلتيك.

أبشر ....
فإن حدث واستمر الحال لا قدر الله (نسأل الله العظيم ألاَّ يرفع لهُ راية ولا يحققَ لهُ غاية ويجعله للعالمين آية قبل شهر رمضان) فاعلم أن المدن المحررة التي سَمِعَتْ هتاف شقيقاتها الأسيرة تهب هاتفة (يا .... مش بروحك نحنا ضمادين جروحك) لن تتخلى عنك، قلوب ثوارها مشتاقة إلى النصر للقاءك، وتُعِدُّ العُدَّة من أجل ذلك.
ولا تَحْمِل هَمْ إعلام رمضانك، فإعلان حلول شهرك ومائدة برامجك الرمضانية علينا.
سنغنيك عن مسلسل "غصباً عنك" وطلة بوشفشوفة بمناخيره إلى الأبد.
سيطل عليك مفتي ليبيا الشيخ الجليل الصادق الغرياني ليعلن لك قدوم الشهر المبارك وفق الشرع.
وسيطل عليك رئيس المجلس الانتقالي ليبارك لك الشهر الفضيل ويشعرك بأنك مواطن في وطن كبير يشتاق إليك.
ستطل عليك وجوه ألِفتها وأحببتها وأحبها جارك ومدينتك لتصل في قلوبكم إلى حيث عجز إعلام القذافي ومرتزقته (كتلة المساحيق وشرشبيل) وكل نَكِرات المحطات من أشباه الرجال والنساء والشيوخ والغلمان.
سيطل عليك وجه صلاح الشيخي بضحكته المعدية، وصالح الأبيض بأسلوبه البريء المرح، ومشهية بلكنتها المحببة، ستندهش من بشاشتهم المضاعفة وقدرتهم غير المسبوقة على إدخال السرور إلى قلبك.
كيف لا، ألم يستنشقوا طعم الحرية أخيراً؟
ليس هذا كل شيء، فرمضان هذا العام مليء بالمفاجآت السارة بإذنه تعالى، سيطرب لها عقلك وقلبك، لأنك ستدرك أخيراً معانٍ كثيرة ومصطلحات غُيِّبَت عنك فلم تعشها يوماً، الدستور، السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية المنفصلة، حرية التعبير والإعلام والمعلومات، التعددية والانتقال السلمي للسلطة، المواطنة، كيفية تنظيم المدن الأسيرة فور تحررها منعاً للفوضى الأمنية، وخارطة الطريق للوصول إلى الدولة الديمقراطية.
أليس كذلك يا أ. شمام؟
------------------------------------------------

ولكن قبل هذا كله، تذكر أن شهر رمضان هو فرصتك للدعاء.
تبتسم، أضحك الله سنك، وما أدراك عمن أقصد بالدعاء؟
صدقت، ابتسم، فابتسامتك تعذبه، ودعائنا وسعينا سيرفعه بإذن الله.
قول آمين ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق