الجمعة، أغسطس 26، 2011

نادر البطل، وأنا


شهيد آخر ينتقل إلى رحمة الله، نسأل الله أن يلحقه بأسياد الشهداء جوار الرسول الكريم في جنة الخلد

-------------------------------------------------------
نادر البطل، وأنا
-------------------------------------------------------

جالسا في مكتبي، ولعلي أداعب لحيتي كعادتي بينما أتصفح الإنترنت، عندما:
السلام عليكم، لو سمحت أبحث عن الأستاذ (…........).
رفعت رأسي نحو مصدر الصوت، لأرى شابا صغير السن، يصفف شعره بتلك الطريقة "المشوكة" التي تشعرك بأنه مر بحقل مغناطيسي جعله ينتصب، مبتسما كان، قميصه أبيض مزدان بكلمات إنجليزية، وملابس أمريكية القماش، باختصار، مادة رائعة مغرية للتنظير والقدح والنصح و..
- أين أجد أستاذ (…........)؟
والأستاذ (…........) هذا هو أنا لسوء الحظ، ما خطب هذا الشاب؟
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل، أنا هو (…........)، هل من خدمة.
جذب لنفسه كرسيا اعتدل به وأنا أدعو الله ألا يطيل، فأنا أظن نفسي مشغولا، وهذا الشاب يعاني ترفا من الوقت يقضيه في تصفيف شعره يكفيني لنوم بشخيره.
- سألت في استعلامات الشركة عن رئيس تحرير مجلة (…........)، فأرشدوني إليك.
انتفخت أوداجي وانتشيت وأنا أتخيله معجب يود الحصول على توقيعي؟ لم لا، ألست رئيس تحرير مجلة علمية مرموقة -بالنسبة لي على الأقل- سيشار إليه قريبا بالبنان؟
- نعم، هل من خدمة أقدمها لك؟
- اسمي نادر، نادر بن روين، أدرس في كلية الهندسة، وأعمل ضمن مجموعة تحاول تقديم المساعدة لبقية الطلاب من أجل رفع مستواهم في عدة مواد، كالبرمجة، و …....
(اعتدلت في جلستي وأنا استمع إلى إسهابه وأحاول إعادة تقييمه مجددا، أسلوبه مهذب وبسيط يشي بنبل محتد).
- أعجبتنا المجلة، ونود إن أمكن نشر إعلان عن المجموعة بها، و ….
(عدت إلى هرش لحيتي وأملي في التنظير عليه يتضاءل حسرات مع صورته الانطباعية عندي التي أخذت تعتدل وتكبر، قليل من الوقت وسأضطر إلى رفع رأسي لأعلى كي أراه، لا بد لي محاولة ترسيخ قدري وعلمي معه بكثير من مصطلحات مجاله كي يعرف كم أنا رائع).
- أي لغة تتقن؟ بي إتش بي؟ أي إس بي؟ وبأي "خلطة" تعمل؟ لامب أم وامب؟
واسترخيت وأنا أرتقب نتيجة إبداعي اللفظي عليه؟
- بل جوملا، وإن كنت أتقن بي إتش بي وأقدم دورات مجانية بها، لكل منهما مزايا وعيوب فالأولى …
(أُسقِط في يدي أخيرا، دون أن أُخفي إعجابي بتبدد الصورة النمطية التي كونتها عنه عندما رأيته فورا، يبدو أنني على عتبات درس جديد عنوانه: لا تحكم بالمظاهر).
- يسرني جدا التعاون معكم، و...
تبادلنا أطراف الحديث، وعلمت أنني أضفت إلى أرشيف أصدقائي واحد جديدا، صحيح أنه مشوك الشعر، صحيح أنه يصغرني سنا بعقد كامل، ولكنه صديق يفتخر به.
أيام تتالت، زيارات تكررت، نسخ من المجلة حُمِّلت بواسطة سيارته الخاصة للتوزيع على الطلبة، علاقات متفرعة نشأت، فقد صار صديقاً صديقي، ورابطة علمية عملية أسست بينهما.
صادف أن كان شقيقه طارق صديقا لصهري، فلم تنقطع أخباره عني بعد سفره إلى كندا، التي يحمل جنسيتها.

***

- هل سمعت بنادر يا (…........).
- ما به نادر؟
عاد من كندا وانضم إلى الثوار في الجبهات.
كم أنت رائع يا نادر، حطمت وأمثالك كل صورة نمطية تكونت لدينا عنكم كشباب رقيع لا يجيد إلا الاستماع للموسيقى والحديث عن نانسي عجرم.
- هنيئا له.
صَمَتَ صهري للحظات، وأنا أفكر في طريقة أتصل به عبرها علني أحييه، بل وأتحصل على مصدر معلومات للصفحة، لم ألحظ أن خطبا ما به، خطب يجعله يتمهل على غير عادته في الحديث، ليتابع:
- نادر استشهد في أحداث باب العزيزية.
…...................................
- أخاه طارق أخبرني بذلك.
ماذا أقول؟
لعنة الله عليك يا قذافي، قذفك الله في جهنم أنت وقذافييك الصغار الذين فَرَّخهم فكرك البغيض، أي صفحة قذرة في كتاب التاريخ ستهان بذكرك؟
لا حول ولا قوة إلا بالله، رحمه الله.
انتهت الكلمات القليلة التي تبادلتها مع صهري، ليتركني أجتر مرارة علقم أذاقنيه قذافي الشياطين، ألم يكفه سرقة عقود من أعمارنا؟ وتريليونات من أموالنا؟ وتجهيله وتحقيره لنا؟ ليطال خيرة شبابنا؟
أهداني هذا القذافي خبرا فاجعا آخر، قذيفة هاون سقطت في البناية الواقع خلف منزل الأسرة بقلب بطرابلس، فأفزع الأسرة وفيها من فيها من المصابين بهدايا القذافي لكبارنا من سكر وضغط، ولصغارنا من فزع ورعب.
لو كنت أنا من سيقع القذافي بين يديه، فسأسعى إلى التأكد من عدم وجود أية وسائط تصوير قبل أن...............................................
أسأل الله لك الجنة يا نادر، أسأله تعالى تفضلا في هذا الشهر، لك ولكل أبطال ليبيا، يا من تركتم كل مباهج الدنيا ووعودها وأنتم في مقتبل العمر والعمل والوعود، يا من تركت عملك المزهر في كندا تلبية لنداء الوطن والشهادة.
سأظل أذكرك بإذن الله مثلا أعلى يقتدى به مع من سبقك ويليك من أبطالنا، وقود الحرية في سبيل الله والوطن.

سأظل أتساءل يا نادر أنت ورفاقك الأبرار؛
هل سنكون جديرين بما أورثته شهادتكم لنا؟
هل سنكون أهلا بالوطن الغالي؟
هل سنحقق ما أردتم رؤيته فيه؟

والسؤال الأكبر: بعد أن يتم الله نعمته علينا بإهلاك عدونا وزمرته:
ماذا سنعمل بهذا الميراث الثقيل، ميراث الشهداء، ميراث نعمة الله بالتحرير؟

قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ - [الأعراف: 129]

الخميس، أغسطس 25، 2011

كيفية تنظيم المظاهرات

لعله من نافلة القول أننا في ليبيا لم نعتد تنظيم المظاهرات لأن تنظيمها كان جريمة يعاقب عليها القانون، وهذا ما يفسر عدم تننظيم مظاهرات الليبين في الخارج، فرغم انطلاق المشاركين في المظاهرات بدافع وطني، إلا أن غياب جدول فعاليات يجعلها أقرب إلى نزهة عفوية لا يمكن قراءة أحداثها واستخراج مواد صالحة للنشر أكثر من الصور الفوتوغرافية.

وحتى تؤتي المظاهرات ثمارها، يفترض:

1- تحديد تاريخ ذو دلالة ومغزى.

2- التنسيق مع الجهات ذات العلاقة بمنطقة تنظيم المظاهرة احتراما لسيادة وقانون الدولة المضيفة.

3- اختيار لجنة لحفظ النظام حتى لا تتسبب حشود المتظاهرين بعرقلة كلية لمنطقة التظاهر.

4- تحضير مواد التظاهر الأساسية، مثل اللوحات القماشية والأعلام ومكبرات الصوت.

5- مخاطبة وسائل الإعلام لتغطية المظاهرة.

6- إعداد بيان صحفي رسمي يتلى من شخص ذو بلاغة وتأثير.

7- تجهيز شعارات يتم ترديدها من قبل أشخاص مؤثرون عبر مكبرات الصوت لضمان تفاعل المشاركين بشكل جماعي مؤثر.

8- احترام المارة والمشاة أصحاب البلد وعدم إزعاجهم.

9- اختيار لجنة لإزالة أية آثار من مخلفات قد تتركها المظاهرة وراءها كقناني المياه وخلافه.

10- اختيار لجنة لتحميل مادة المظاهرة على موقع يوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي.

11- يفضل التنسيق مع المتعاطفين مع الثورة من البلد المضيف، إما للمشاركة، أو لنشر مادة المظاهرة عبر وسائل النشر الرسمي والمستقل.

12- احترام الموعد المحدد للتظاهر وعدم الخروج عنه ضمانا لتجاوب أمثل مع سلطات الدولة وجمهور المهتمين بالبلد.

13- عدم التعامل مع مؤيدي النظام بشكل عدواني ما لم يتجاوزوا حدود الأدب، وحتى في هذه الحالة يفضل تبليغ السلطات الأمنية للبلد المضيف حتى لا يختلط الحابل بالنابل.

14- وقبل هذا كله، يجب التبليغ عن موعد المظاهرة قبل أسبوع على الأقل من موعد المظاهرة ضماناً لحضور أكبر عدد ممكن، وللتعاطي مع أية طوارئ أو احتياجات.

15- استحداث موقع أو صفحة تواصل على فيسبوك تعلم الراغبين في الحضور بالزمان والمكان والبرنامج العام أولا، ووسائل الإعلام ثانيا من معرفة ترتيبات وبرنامج عام المظاهرة، ثم المادة الإعلامية الصالحة للاستهلاك من صور وبيان صحفي وفعاليات.هذا هو الضمان الوحيد كي تؤتي المظاهرات ثمارها، بدلا من أن تصبح مجرد نزهة فوضوية لحشود وأصوات غير متناغمة

العلاقات العامة والإعلام مفتاح نصرنا يا أخي شمام

هل يمكن للدم أن يصبح ماء؟

نعم، كبرى شركات العلاقات العامة جعلت هذا المستحيل ممكنا.

وحتى لا نقع في فخ عدم تقديرنا الصحيح لقدرات الآخر، يجب تعريف شركات العلاقات العامة التي نقصد.

شركات العلاقات العامة الكبرى في عصر العولمة تتميز بتأسيسها شبكة علاقات عابرة للقارات موغلة التشابك في دهاليز عدة منها السياسة والاقتصاد والإعلام، وتضم خبراء في علوم متنوعة تهدف كلها إلى التأثير على سلوك الجمهور المستهدف بما يخدم غرض المستأجر، عبر استثارة البشر عقليا وغريزيا على اختلاف مشاربهم، مسببة ضوضاء سمعية وعقلية قادرة على إلهاء متابعيها عن أية أصوات مخالفة، مهما كانت محقة أو عادلة، حتى وإن تحول أصحاب الأصوات المخالفة إلى جثث هامدة حصدتها آلات القتل بضجيجها، حاجبة رائحة البارود والموت عن الأنوف.

وقد رأينا في حربنا الإعلامية ضد إعلام القذافي العجب العجاب، فرغم عدالة قضيتنا، إلا أننا رأينا التفاف العديد من وسائل الإعلام العالمية حول إعلام القذافي لتتلقف منه مصطلحاته وترمينا بها وكأنها سلاح آخر ضدنا.

ألم يجعلنا الإعلام الدولي متمردين عوضا عن ثوار؟ ألم يجعل معركتنا ضد القذافي وأسرته حربا أهلية؟ ألم يستمر في إسباغ الصفة الرسمية على القذافي وزمرته ليستمر استخدام مصطلح ليبيا والحكومة للتعبير عنه وعن زبانيته، رغم نزع الصبغة الشرعية عنه وعن لانظامه؟ ورغم اعتراف الدول العظمى بالمجلس الانتقالي كمجلس وحكومة شرعية. بل ظهر جليا في أداء وكالات عالمية كرويترز ووكالة الأنباء الفرنسية تجاهلها التام للاعترافات واستمرار وصفها للثورة والمجلس بالمعارضة والمتمردين!!!

ولم يتوقف تأثيرها على الإعلام فقط، بل طال موقف الساسة أيضا؛ ألم يتلقف بوتن نفسه مصطلح الحرب الصليبية؟ ألم يخرج بيرلسكوني محاولا تبرئة موقفه الشخصي تجاه الأحداث؟ ألم يحتدم النزاع داخل الكونغرس حول دعم الثورة من عدمها؟ كل هذا كنتاج عن الحراك الخفي لشركات العلاقات التي استأجرها نظام القذافي.
 
وبالمقابل، ماذا عن ثورتنا وإعلامها الرسمي؟ أين نحن من هذه الهجمات التي تتهدد ثورتنا في مقتل؟

رغم كل الجهود التي يقوم بها الجهاز الإعلامي الرسمي للثورة، ومساندة العديد من الفضائيات كالجزيرة والحرة والآن، إلا أن الأداء الإعلامي ما يزال قاصرا عن متابعة الحراك السياسي والميداني والإنساني للثورة، فما بالك بالتصدي لما يحيكه النظام من كذب وتدليس وإفك؟

قد لا نختلف على الحيثية الإعلامية لمسؤول الملف الإعلامي بالمجلس الانتقالي، ولكن المعركة ليست إعلامية فقط، الإعلام واجهتها فقط، فمن أوجه القصور الشديدة:

1- غياب وكالة أنباء رسمية تنقل مستجدات الأحداث وخاصة عند نقاط التماس لتصبح مرجعا لغيرها من الوكالات ووسائل الإعلام، وترد مهنيا على افتراءات النظام مثلما حدث اليوم بعد ادعاء البغدادي استعادة السيطرة على بئر الغنم دون رادع.

2- غياب إعلام رسمي للثورة بلغات غير العربية والأمازيغية، لا إنجليزية ولا فرنسية على الأقل، مما يترك الباب مفتوحا أمام كل من يود الكتابة والترجمة وفق اجتهاداته وتوقعاته دون هدى ولا مرشد مرجعي من الثورة.

3- قصور الموقع الإلكتروني للمجلس الانتقالي، وتوقفه عن التفاعل منذ زمن.

4- غياب الأنشطة المؤيدة للثورة في الخارج إعلاميا ليبية كانت أو أجنبية، حدثت أم لم تحدث.

5- لا وجود لمنجم إعلامي يضم كل المواد السمعية والبصرية للثورة على كافة الأصعدة، لا ضبط لمصطلحات الثورة، لا توثيق مرجعي لكل ما صدر لصالح الثورة من أقوال رجال دين داعمين، ولا مواقف الساسة المؤيدين، لا إحصاءات واضحة عن ضحايا النظام من المتضررين والمفقودين والمقتولين (الشهداء)، بل حتى لا توثيق للدول التي اعترفت بالمجلس الانتقالي لا عددا ولا اسما ولا تاريخا، من يبحث عن معلومات تخص الثورة عليه أن يلف فضاء الإنترنت وصفحاته كحاطب ليل ليقع على الغث منه والسمين قبل أن يقرر استهلاك ما فتح الله على عقله به ليرى فيه ما يعتقده صوابا ويقره.

6- لا وجود لضوابط نشر عامة من المجلس تشكل مرجعا ودليلا لكل ثائر غيور لتجنبه الوقوع في محاذير أمنية أو سياسية أو حتى اصطلاحية.

7- غياب أية محاولات لتجسير الهوة بين الثورة الليبية والشعب الجزائري، وأحد تداعيات تجاهل التواصل مع الجزائر استغلال القذافي الواضح لهم ومحاولة استقطابه لنخبهم المثقفة، مثلما حدث اليوم من زيارة لوفد شعراء جزائريين، وكذلك شعوب روسيا وبيلاروسيا وصربيا وموريتانيا التي يفترض استهدافها سواء رسميا أو شعبيا وإظهار هذا التواصل لتحقيق ضغط شعبي على حكوماتهم.

8- عدم مد جسور التواصل مع المجتمعات المدنية الثقافية منها والشبابية للدول التي اعترفت بالمجلس من أجل إظهار الدعم الشعبي للثورة، وتقديم الثورة كثورة تقدر من دعمها وتعي أهمية الانفتاح مع العالم بأسره.

9- غياب التنسيق مع الثورات المجاورة التي ستضيف في تضامنها مع ثورتنا زخما لثورتنا وتوسع قاعدة المؤيدين من المتعاطفين مع الثورتين، خاصة مع انتشار فكرة تبعية الثورة لفرنسا ذات التجربة السيئة مع الثورة التونسية والمصرية، وعدم التنسيق لاستثمار قدرة شباب الثورة المصرية على إقصاء أحمد قذاف الدم من الساحة المصرية أو إيقاف بث النايل سات بوقفة تضامنية في جمعة واحدة.

10- غياب مواد توجيهية للثوار بشأن الإخلاص للوطن وتجنب الإشادة بالجهوية بحسن نية، أسوة بما قاله الشيخ الجليل الصادق الغرياني، فلا يصح الاهتمام بتفاصيل ثانوية كمن استشهد أولا ومن ثار ثانيا، إلخ، لأن فيها تكريس لما يريده القذافي من قبلية وتفتيت لوحدة الثورة.

11-ورغم حرصنا على عدم الاقتراب من قضية استشهاد الفريق عبد الفتاح يونس، إلا أن أداء الجناح الإعلامي للمجلس الانتقالي كان بعيدا جدا عن الحدث في وقت تقتضي الضرورة فيه أن يكون أداءه قريبا جدا منه، فترك الحابل للغارب، كل يدلو بدلوه، ومن بينها دلو المستشار الإعلامي لسيف الذي رمى به فكاد أن يغترف به من أمننا لولا لطف الله الذي صرف عنا فتنته فجعل دلوه مثقوبا، فما نرى في مروره دون تأثير إلا إحدى تجليات الرعاية الإلهية للثورة فيما يشبه الاتكال لا التوكل.

وحتى لا نطيل فنطنب، نعتقد جازمين بما آتاه الله للصفحة من علم محدود وإدراك مكدود، أن المعركة صارت تستلزم الإدارة بنفس الأدوات التي استخدمها القذافي، وتحديدا، الاستعانة بشركات علاقات عامة كبرى، قادرة على إكمال الأجزاء الناقصة في فسيفساء المشهد الإعلامي للثورة، خاصة بعد الأنباء المتعلقة بسعي القذافي إلى الاستعانة بشركات أخرى من أجل تجميل صورته القبيحة، والتي لا ينبغي التقليل من شأنها مطلقا.

والأسباب التي تدعوا إلى ضرورة الاستعانة بشركات علاقات عامة عديدة، منها:

1- إكمال دور الجناح الإعلامي، وتخفيف العبء والضغط الشديدين على مسؤول الملف الإعلامي ليكون مشرفا على أداء الشركات.

2- توضيح مكامن الضعف على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والإعلامية، والتي نتوقع أن ينال فيها أداء المجلس والجناح الإعلامي درجة الرسوب فيه على إدارته لأزمة أسبوع الحزن الماضي.

3- إعداد خطة علاقات وإعلام شاملة يتقيد بها الجميع، المجلس الانتقالي، والإعلامي، والثوار.

4- استثمار القدرات الأدبية والعلمية والشبابية المبددة في فضاء الإنترنت والصحافة دون تنسيق (عبر الصحف، المجلات، المنتديات، الندوات، صفحات التواصل الاجتماعي، مؤسسات المجتمع المدني، الخ)، فكم من إنجازات يمكن لهذه القدرات والطاقات صنعها إذا ما وظفت بالشكل الأمثل.

5- تأجيج الرأي العام الدولي ضد الطاغية ومع الثورة عبر استقطاب القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني العالمية التي يتوقع تجاوبها تأسيسا على عدالة القضية المليئة بشواهد إثباتها صورة وصوتا ونصا.

6- استثمار قنوات وخبرات وتقنيات تعد ضمن أسرار مهنة العلاقات العامة الفعالة والمحتكرة فقط للزبائن، والتي لا ولم ولن نكن لنعلمها دون اتفاق، كي تسهم في خدمة الثورة.

7- عدم إضاعة الوقت في إعادة اختراع العجلة وهي موجودة، داؤنا غياب دور شركات العلاقات العامة، ودواؤنا في وجودها، فالوقت حرج جدا ولا يحتمل المخاطرة من أجل توفير المال فقط أو محاولة إثبات ما تعذر إثباته.

وما لا يعد ولا يحصى من الأسباب والأهداف التي يمكن للغيورين على الثورة والذين تعتمل صدورهم بهموم الثورة وتمتليء بمثل ما تقدمنا به وأفضل من الملاحظات على الأداء الإعلامي والسياسي في إطار النقد الإيجابي البناء والداعم للمجلس والجناح الإعلامي، لا للنيل منهما، خاصة وأن للمجلس علينا حق البيعة، وللثورة حق النصرة والوحدة، غير ناسين حداثة عهد المجلس الانتقالي والجناح الإعلامي بهكذا مسؤوليات.

نعلم يقينا أن هذا النوع من الخدمات باهض التكلفة، ولكن تكلفته لن تكون أغلى من الثمن الذي دفعه شهداءنا، ولن تكون أغلى من الدماء التي ستحفظ كنتيجة عن نسف آخر جسور القذافي نحو العالم الذي يمكن لشركات العلاقات مده له، مما يعني سرعة انهياره داخليا على نفسه بدلا من إطالة عمر نظامه، ونتوقع لأشرافنا المساهمة في إنجاحه بالجهد والمال.

ونذكر مجددا، ما لم نستعن على القذافي في حرب الإعلام والعلاقات بالله أولا ثم بأهل العلم وذوي الخبرة، نعتقد جازمين أن أمد الصراع سيطول، وهذا سيكلفنا الكثير من الدماء والمال والتضحيات، بل وقد ينحسر معه مد التعاطف الدولي تجاهنا الذي بدأت بوادره تظهر، لأننا لم نحسن إدارة دفة حرب الإعلام والعلاقات.

ختاما، نذكر بقول الله عز وجل: " فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ " البقرة - 194

-----------------------------------------------------------------------------------------------------

إبراءا للذمة، نؤمن يقينا أن الهدف صائب تماما، فإن أساءنا عرضه وتقديمه فإنما نعتب على أنفسنا كصفحة وقصورنا في إيصال الرسالة بالشكل الصحيح، ولا مانع مطلقا في إعادة تقديم الفكرة أو إثراءها من أي طرف كان بالصورة التي تضمن تحقيقها.

وإن وفقنا في العرض والتقديم، فإنما الفضل لله وحده، والله من وراء القصد.

أبو ريان المدني

من أجل وعي نتحصن به ضد هواجس اليوم التالي

معجبي الصفحة الأفاضل، عناوين عدة تتصدر المرحلة القادمة، نعتقد بأنها أساس الخروج من الأزمة الفكرية السياسية لكل ليبي، خاصة مع توقع التفاف الكثير من القوى السياسية على عقول الناس لقضاء وطر منفعي، ومنها:
1- أصحاب الفضل على الثورة: المحرضين، المتظاهرين، الشهداء، المقاتلين، السياسيين، الإعلاميين، إلخ، أهمية كل مكوناتها في إنجاح الثورة.
2- ثقافة الاختلاف: تنتج تقبل واحترام رأي الآخر وعدم تسفيهه، فالإقصاء سلاح ذو حدين أحدهما يتهدد غيرك والآخر يتهددك.
3- نماذج عن الديمقراطيات الناجحة: البرلمانية الرئاسية، البرلمانية الدستورية، إلخ.وي
4- حقوق أسر الشهداء، والمتضررين جسديا ومعنويا.
5- المجموعات المسلحة بين المزايا والعيوب.
6- مؤسسات المجتمع المدني، أنواعها وأدوارها.
نأمل منكم المشاركة معنا بأفكاركم لأننا بصدد إصدار مواد توعوية بسبب غياب هكذا نوع من المواد

الشائعات والإعلام آخر أسلحة اللانظام

إخماد النيران وسحب الدخان المنبعثة من بقايا الشيطان

-------------------------------------------------------
الشائعات والإعلام آخر أسلحة اللانظام
-------------------------------------------------------

لم تكد نيران فوهات ثورانا تتوقف عن رسم روتوش لوحة الحرية داخل باب العزيزية، حتى أطلقت بقايا اللانظام القذافي نيران أسلحة من نوع آخر، محاولة النيل مما لم تطاله أسلحتهم، نيران الإشاعات والإعلام الأجنبي.

وقبل أن نمضي، سنتوقف لقطع دابر ادعاءات قام اللانظام بتحضيرها وتفنيدها بنفسه:
1- إدعى أن مجسمات تم تحضيرها تحاكي باب العزيزية والساحة الخضراء حتى يتم إيهام الناس باقتحام باب العزيزية،
التفنيد قدمه القذافي بنفسه عندما اعترف بانسحابه "التكتيكي" من باب العزيزية مدعيا أن غارات التحالف لم تبقي حجرا فوق حجر.
2- خرج سيف مدعيا بدوره أن الأمور على ما يرام وأنه سيقوم بجولة في طرابلس في أكثر المناطق توترا حسب "مزاعمنا".
التفنيد قدمه سيف بنفسه عندما قام بجولة داخل باب العزيزية فقط ولم يذهب إلى “ميدان الشهداء الأصلي” عوضا عن “المجسم” كي يكشف زيفنا، ولا حتى أي شارع رئيسي آخر.

ورغم قطع دابر قنوات القذافي الرئيسية، يبدو أن قناتي الرأي السورية والعروبة ستشكلان مصدر إزعاج عبر نقلها قاذورات اللانظام.

هذا عن الإعلام الموالي الصريح، فماذا عن الوسائل الأخرى من شائعات وإعلام أجنبي مستتر؟

الشائعات:
1- تسميم مياه النهر في طرابلس.
2- تحرك رتل من الدبابات تجاه طرابلس.
وإذا تتبعنا المصادر الشائعات فسنجدها تنحصر في مجهولون على فيسبوك.

الإعلام الأجنبي:
1- قناة العربية: نقلت خبر قصف طرابلس بالجراد حسب شاهد، وللعربية باع لا بأس به في التعاطي الإيجابي مع اللانظام عبر ترديد مصطلحاته، كاستخدامها مصطلح الحرب الليبية، وأداء مراسليها الهادي الحناشي -الخلف الأسوأ لسلفه السيء- دورا مريبا في تلميع صورة اللانظام ، دون نكران الدور الإيجابي لمراسلهم في جبل نفوسة لفترة محدودة.
2- قناة الرأي السورية: نقلت بث قناة العروبة عبر أثيرها وفيه خطاب للقذافي وتصريح لموسى إبراهيم.
3- وكالة رويترز: نقلت عن العربية خبر قصف طرابلس، وعن الرأي سموم القذافي وموسى ابراهيم، ولا ننسى هنا أن رويترز -حسب محمد العلاقي مسؤول ملف العدل بالانتقالي- شركة مساهمة تمتلك شركة العلاقات العامة المأجورة من اللانظام نسبة 60% من أسهمها، وهذا يفسر فعلا نوع عناوين الأخبار والنصوص الغريبة مهنيا في طرف يفترض أن يقدم الأخبار من وجهة نظر محايدة.
4- قناة روسيا اليوم: نقلت تصريحا لمحمد القذافي على لسان إيلومجينوف، وما تمثله هذه القناة من إسقاط طبيعي لرؤية الكريملين تجاه الأحداث في ليبيا وفقا لمصالح مذبذبة دون تهذيب سياسي.

لماذا تُطلق هذه الشائعات؟ وتناقل الأخبار الغريبة والتصريحات؟
1- محاولة النيل من معنويات الثوار والمدن المحررة.
2- إشاعة الذعر والفوضى.
3- محاولة الرفع من معنويات بقايا الموالين للانظام.
4- وهي الأخطر: إيصال رسائل خفية لخلايا نائمة بقصد أداء أدوار متفق عليها، ولا حاجة للاستدلال على هذه المسألة بدليل، فكم من عمليات نفذتها الكتائب إثر الاستماع إلى خٌطب أو برامج تلفزيونية.
العمل بقاعدة: إذا أردت معرفة الجاني فعليك معرفة المستفيد يجعلنا نعرف دون جهد أن المستفيد هو اللانظام البغيض.

كيف السبيل للتصدي لهذه المحاولات:

عبر الانتقالي:
1- مطالبة الحكومات التي اعترفت بالمجلس بالتوقيف الفوري لمن يشكلون خطرا على ليبيا، مثل البغدادي المحمودي وبشير صالح وعبد العاطي العبيدي وفتحي لاغا وصفية فركاش وغيرهم في تونس، وأحمد قذاف الدم ونصر المبروك وعلي ماريا ومحمد اسماعيل في مصر، إلخ.
2- مطالبة النايل سات بإنذار قناة الرأي لإيقاف ربطها مع قناة العروبة لوقوعها في ذات المحاذير التي رفعت قضايا قنوات اللانظام من أجلها.
3- مطالبة شركة العلاقات العامة التي تعاقد معها اللانظام بإيقاف تعاقدها معه، واستئناف ما تبقى منه مع ليبيا الجديدة.
4- مطالبة محكمة الجنايات الدولية بإصدار مذكرات توقيف بحق من تبقى من نظام القذافي من أسرته كالمعتصم والساعدي وخميس وعائشة وهانيبال ومحمد ومن فر خارج ليبيا.
5- اتخاذ موقف حاسم بشأن الموقف تجاه الجزائر، إما بإبراز أدلة تورطها في دعم اللانظام، أو بالتجاوز عنها واتخاذ ما يلزم لتطبيع العلاقات حتى يتم سد سبل التوجه للجزائر أمام اللانظام.

عبر الإعلام الفضائي للثورة من قنوات مرئية ومسموعة:
1- التركيز على تصوير المناطق المحررة حديثا، وموقف الشارع منها، وعلامات الفرح والبهجة، ووعود الانتقالي المادية والمعنوية لليبيا، لما فيها من تأليف لقلوب المتشككين.
2- إجراء مقابلات مع الشخصيات التي انشقت على النظام وإن كانوا مسيئين للثورة، كخدوجة صبري، طارق التائب، الوزراء كشكري غانم، علي التريكي، اللواء البراني شكال، وحتى هالة المصراتي وحمزة التهامي … الخ، لما في هذا من تأكيد على انتهاء مرحلة اللانظام إلى غير رجعة، وبيان أنه اختفى وترك مواليه يواجهون المجهول لوحدهم رغم دفاعهم عنه ومناصرتهم له حتى آخر لحظة، وهو ذات المصير الذي يتهدد من يصر على المضي إلى نهايته، بدلا من الإقبال على المرحلة الجديدة الواعدة لليبيا، مستفيدا من فرصة التسامح والعفو المقبلة.
3- تبسيط أشكال الأنظمة الديمقراطية في العالم ونماذجها، حتى يستوعبها المواطن البسيط ويباشر التفكير أيها الأنسب له، وكذلك التوعية بمفهوم الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، حتى لا يتم استغلال جهله السياسي والمدني من أية أطراف مبطنة النوايا كحزب تيار الوسط وخلافه.
4- تفكيك مراحل الانتقال للمواطن، وتوضيحها ابتداء من استعدادات معالجة الواقع الراهن بغذاءه ودواءه ووقوده ومرتبه وعلاجه، تجاوزا لمشاكل التعويل الخارج عن المنطق من قبل المواطنين عن جهل.
5- التذكير بالوحدة الوطنية وأن ليبيا لكل الأطياف، وأن اللون الأبيض المنشود للثورة لن ينتج إلا بامتزاج الأطياف معا.
6- التأكيد المستمر على أولويات الثورة في الاهتمام بأسر الشهداء والجرحى وضحايا العنف الجسدي والمعنوي (التعذيب والاغتصاب والأضرار النفسية الناجمة عن الأحداث).
7- التأكيد أن النصر جاء من الله أولا ثم من تظافر الداخل الليبي والخارج الدولي لتحقيق النصر للثورة وأهدافها.
8- التوعية بمفهوم ثقافة الاختلاف المتأصلة في العقيدة الإسلامية والتي تحتاج إلى إبراز لاستيعاب أي اختلافات فكرية.

عبر الإعلام الخاص من صحف ومجلات ومواقع وصفحات ومدونات:
التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية، وأن كل المدن ساهمت في التحرير دون استثناء في تحقيق النصر.
التأكيد على خطورة مرحلة ما بعد الثورة (هواجس اليوم التالي) في ظل وجود تيارات مقاومة للتغيير سلمية.
التجاوز عن الطعن في أي من الشخصيات التي أعلنت انضمامها للثورة منذ انطلاقتها، لأنها ستشكل نقاط اختلاف في الرأي في وقت لم نحسن فيه بعد طرق إدارة حوارات الرأي التي يفترض أن تبدأ وتنتهي بالاحترام المتبادل.

علينا أن نعي جيدا أن اللانظام يحترف لعبة إثارة الفتن والنعرات والتشتيت التي ضمنت له السيادة عملا بمبدأ "فَرِّق تَسُدْ"، ولن يتوقف عن ممارسة هذه اللعبة لأنه قطعا لا يريد رؤية هانئة مستقرة، وسيعمل بشكل مضاعف إلى أن تطاله أيدي الثورة.

اللجان الثورية، الخطر المحدق بالداخل والخارج

دعوة عاجلة لاتخاذ المجلس الانتقالي إجراءا قانونيا حيال حركة اللجان الثورية:

نأمل منكم العمل العاجل على إعلان حركة اللجان الثورية حركة خارجة عن القانون داخل ليبيا، ودعوة كافة منتسبيها إلى إلقاء السلاح وتقديم أنفسهم إلى الثوار، مع منحهم الأمان حتى حين التحقق من خلفياتهم لتجريم أو تبرئة منتسبيها حسب ما يثبت أو ينتفي تورطهم به.

كذلك طلب تصنيف حركة اللجان الثورية كمنظمة إرهابية دوليا، وتسليم قوائم بعتاة الحركة وعناصرها القيادية، التي قد تتهدد المصالح العالمية لتنفيذ وعيد وتهديد القذافي باستهداف الجميع، وكذلك المصالح المتبادلة بين ليبيا والمجتمع الدولي.
وما يعزز هذا الاحتمال إقدام الموالين للقذافي على تنفيذ أوامره اللا إنسانية واللا أخلاقية في حق بني جلدتهم في ليبيا، فما بالك بالشعوب الأخرى؟

سيعني هذا تحجيم إمكانية خروجهم من ليبيا لتهديد الأمن والسلم الدوليين والاتصال بمرتزقة من الخارج، وسيعني أيضا اعتبار المدعو صالح ابراهيم وأشباهه مطلوبين للعدالة، والقضاء على أية بؤر لهم خارج ليبيا، وكذلك إعلان تبرؤ كل ما والاهم وناصرهم من الخارج.

نذكر أن الإجراء الداخلي حيال حركة اللجان الثورية ينبغي ألا يتخذ منحى الاجتثاث الذي انتهجته العراق تجاه حزب البعث، بل يفترض أن يكون ممنهجا على أساس الاحتواء لمن يثبت عدم تورطه في أية جرائم ضد الليبيين، على أن يتم خطابهم عبر قيادات منشقة من الحركة للطمأنة.

اقتباسا عن قول "أحرار مسلاتة Ahrar Mselata" أحد معجبي صفحة الشيخ الشهيد محمد المدني يتوقع أن ينتج عن هذا الإجراء:
إعلان أن اللجان الثورية منظمة إرهابية سيجفف منابع عصابة القذافي الإرهابية.
وسيجعل الكثيرون من أعضاء هذه المنظمة الإرهابية تتخلي عن زعيمها الارهابي القذافي.

إعلام ضد ثورة المختار

في هذه الفترة من عمر الثورة، المهددة بتكالب قوى القذافي محاولة منها للنيل من عضد ثورتنا.
باتت الحاجة ملحة لرصد هذه القوى المأجورة، الإعلامية منها تحديدا، للتحذير منها، وتحصين القراء ضد أهدافها، مساهمة منا في إيصال مركب ثورتنا إلى بر الأمان.
وحتى نحقق هذا الغرض، نهدف إلى تجميع قاعدة بيانات بشأن كل من وقف ضد الثورة، وخاصة من حامت حوله قرائن أو دلائل بالتواطؤ والعمل كمرتزق للقذافي.
ولأننا نتمنى أن يبقى هذا العمل مرجعا دائما يمكن الاستفادة منه، نتمنى عليكم عدم نشر أية تعليقات، فقط الاكتفاء بالبيانات المطلوبة، وهي:
1- اسم الإعلامي.
2- وسيلة النشر، سواء كانت مكتبية (صحيفة، مجلة) أو إلكترونية (موقع إلكتروني، محطة فضائية مرئية، محطة مسموعة)
تعاون الجميع مطلوب، وفقنا الله وإياكم.

اجتهادنا:
1- عبد الباري عطوان، صحيفة القدس العربي، متهم باستلام مبلغ شهري من اللانظام المخلوع.
2- صلاح أحمد، صحيفة إيلاف.
3- محمد عبد المطلب الهوني، صحيفة الشرق الأوسط، المستشار الثقافي لسيف الإسلام.
4- وليد الحسيني، مجلة الكفاح العربي، الممولة من اللانظام المخلوع.
5- محمد الهاشمي الحامدي، قناة المستقلة، يعتقد أنه تلقى مبلغا ماليا نظير تجاوزه أحداث الثورة.
6- محمد مصدق يوسفي، قناة المستقلة.
7- قناة الرأي السورية.
8- قناة روسيا اليوم.
9- قناة العربية.
10- وكالة رويترز التي تملك شركة العلاقات العامة المتعاقدة مع اللانظام 60% من أسهمها.

الجمعة، أغسطس 05، 2011

الثلاثاء، يوليو 19، 2011

الاثنين، يوليو 18، 2011

ليبيا : مقابلة عبدالرحمن شلقم وصحيفة الحياة كاملة (1 -2- 3 )

http://almukhtar-17-2.blogspot.com/

شلقم لـ«الحياة»: القذافي اشترى المحيشي من المغرب وذبحه ... قالوا إن الصدر اصطدم بمعمر فقتله أحد الضباط (1)

السبت, 16 يوليو 2011
روما - غسان شربل
في طريق العودة إلى الفندق بعد منتصف الليل كانت روما تغالب النعاس. لم يلامسني سحر المدينة النائمة على نهر من التاريخ. شعرت بأنني أصطحب معي حشداً من جثث «الكلاب الضالة» والمتفجرات والارتكابات. تذكرت الأحاسيس المشابهة التي غمرتني قبل ثمانية أعوام يوم كنت أحاور من عملوا مع صدام حسين في الحزب ومن عملوا في ظله في عهده الراعب. هذا فظيع. يقتل المستبد بلاده مرتين. الأولى حين يستبيح البلاد والعباد ويسبح في الدم. والثانية حين يحاول اغتيال البلاد والعباد رداً على محاولة اقتلاع نظامه.
في 25 شباط (فبراير) الماضي التفت العالم إلى عبدالرحمن شلقم مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة. أمام أعضاء مجلس الأمن وعلى الشاشات غسل الرجل يديه من نظام معمر القذافي الذي هاله انتقال الربيع العربي إلى الجماهيرية فسارع إلى قتل المحتجين. قبل أن يوجه هذه الضربة إلى النظام كان شلقم، الذي تولى حقيبة الخارجية في بداية القرن الحالي وعلى مدى تسعة أعوام، قد شارك في عملية تأهيل النظام وإعادته إلى الأسرة الدولية حين بلور صيغة لتعويض ضحايا لوكربي وطي ملف أسلحة الدمار الشامل.

يعرف شلقم القصة من بداياتها. في 1974 كانت مهمته أن يحمل إلى القائد كل صباح ملخصات الصحف واقتراحات الرد عليها ورافقه مرات عدة في أسفاره في الداخل والخارج. عمل في صحف ليبية وفي وكالة الجماهيرية وتولى في 1982 - 1983 حقيبة الإعلام.

في روما كان الموعد مع شلقم. قال إنه لا يريد أي دور في ليبيا الجديدة وإن مطلبه الوحيد الباقي أن ينام في قبر في ليبيا حرة. فتح لـ «الحياة» خزائن عهد القذافي الطويل وكشف محطات سياسية وأمنية.

وهنا نص الحلقة الأولى:

> متى عملت مع معمر القذافي للمرة الاولى مباشرة؟

- عام 1974 وكنت تخرجت قبل سنة في قسم الصحافة في جامعة القاهرة. عملت في البداية في قسم التحقيقات في صحيفة «الفجر الجديد» وهي الصحيفة الاولى في ليبيا آنذاك. ثم اممت الصحافة فعملت سكرتيراً للتحرير في صحيفة «البلاغ» اليومية. بعدها عملت لأشهر في مطبوعة شهرية اسمها «الوحدة العربية»، وكانت اسماً على مسمى كما يقال، ثم انتدبت للعمل مسؤولاً عن القسم الاعلامي في مجلس قيادة الثورة. بهذه الصفة كنت اول من يدخل الى مكتب معمر ومعي ملخصات لأبرز الأنباء المحلية والدولية واقتراحات بالردود او التعليقات. وكان أحياناً يدخل الى مكتبي المتواضع في ثكنة باب العزيزية قرب منزله الذي قصفته الطائرات الاميركية في 1986. وفي 1975 عينت رئيساً لتحرير «الفجر الجديد».

> كيف تصف شخصية القذافي في تلك المرحلة؟

- كان شخصاً بسيطاً جداً. وكنت ارافقه احياناً في رحلاته الى البر والمناطق. كان موكبه عبارة عن ثلاث سيارات لاندروفر وعدد الحراس محدود. كان بسيطاً في مأكله ولباسه وتعامله. ذات يوم دخل مكتبي وكنت استمع الى اوبرا «عايدة» لفيردي. فوجئت به يصل وكان يرتدي لباساً رياضياً. أغلقت آلة التسجيل فطالب بإعادة تشغيلها. وضع يديه خلف رأسه ونظر الى السقف وأغمض عينيه وراح يستمع. فرحت انا المولع بالموسيقى. وفكرت في نفسي ان هذا الرجل البسيط المتواضع يمكن ان يجعل من ليبيا معزوفة وسمفونية. كان نحيفاً ومباشراً ومتواضعاً ولا يحب البهرجة والمواكب. ثم خرج ولم يقل لي شيئاً.

ذات مرة ذهب الى وادي زمزم في الصحراء في وسط ليبيا. التحقت به مع سائق لأطلعه على بعض المسائل الإعلامية. وجدناه في احد الوديان وكان الوقت بعد العشاء. احضروا لي عشاء بسيطاً، فأصر على ان يقوم شخصياً بسكب الماء على يدي. حاولت ان اعتذر، فردّ بصوت مرتفع: انت ضيفي وأنا اسكب الماء لتغسل يديك. لم تكن السلطة قد افسدته بعد. ولك ان تتخيل ما يمكن ان تفعله السلطة في غياب المؤسسات. كنا احياناً نعقد جلسات ادبية.

> كيف مثلاً؟

- كنا في الصحراء وكان الرئيس الحبيب بورقيبة يخطب. كان الرئيس التونسي يذكر بأحداث وقعت في الثلاثينات او الاربعينات وراح القذافي يضحك. قلت له: انظر الى الفرق بينكما، هو ينتمي الى الماضي وأنت تنتمي الى المستقبل. هو يتحدث عن ذكرياته وأنت تقول سنبني مدارس وسنشق طرقات وسننشئ مصانع.

كنا نتحدث ايضاً عن الشعر الشعبي والحكم الشعبية او الشعر العربي وأنا كنت احفظ قصائد للمتنبي وغيره. القذافي يحب الشعر العامودي وبالتحديد شعر الحماسة والبطولة مثل معلقة عمرو بن كلثوم وقوله: «ملأنا البر حتى ضاق عنا / وظهر البحر نملأه سفينا». وقوله: «اذا بلغ الفطام لنا صبي/ تخرّ له الجبابر ساجدينا».

> هل كان يحب المتنبي؟

- كان يحب الشعر العباسي عموماً. كان يحب ايضاً أبا تمام والبحتري. القذافي لا يحفظ الشعر لكنه يستمع. انه بالمناسبة مستمع جيد يمكن ان تتحدث امامه لما يزيد عن الساعة من دون ان يقاطعك. وهو يحاول ان يكتب ولعله يحب ان يكون كاتباّ.

قبل نحو ثمانية اعوام طرحت فكرة برشلونة في شأن التعاون في المتوسط. عارض القذافي بشدة وكنت انا شديد الحماسة للفكرة. استدعاني ذات يوم باكراً وليس من عادته ان يصحو باكراً. كان معي سفيرنا في بروكسيل حامد الحضيري. سألني: لماذا تتمسك بأن نكون مراقبين في عملية برشلونة؟ أجبت: اذا لم ندخل قد تقفل الأبواب في وجهنا لاحقاً، اما اذا دخلنا كمراقبين فنستطيع ان نخرج لاحقاً اذا رأينا مصلحتنا في الخروج. واستشهدت بما قاله محمد مهدي الجواهري في رثاء الرئيس جمال عبدالناصر:

«أسفي عليك فلا الفقير كفيته فقراً ولا زدت الغني غناء

قد كان حولك ألف جار يبتغي هدماً ووحدك من يريد بناء».

ويقول الجواهري أيضاً:

«ينقض عجلانا فيفلت صيده ويصيده لو احسن الإبطاء».

اعجبه البيت الأخير فطلب مني ان أعيده ثم قام بكتابته.

حتى عندما عملت في «الفجر الجديد» كان يصر على ان ارافقه في بعض رحلاته. كان لـ «الفجر الجديد» ملحق اسمه «الاسبوع الثقافي» وكان يرأسه الكاتب الروائي الكبير احمد ابراهيم الفقيه. ثم انشأت «الاسبوع السياسي». كان القذافي يحب ايضاً طرائف الخلفاء وأخبار الظرفاء.

يغار من سيف الدولة

> بمن كان معجباً في تلك الفترة؟

- اقول بأمانة ان معمر القذافي لا يمكن ان يعجب بأحد. اذا قلت أمامه قصيدة للمتنبي، عليك ان تتفادى المقطع المتعلق بسيف الدولة. يغار من سيف الدولة كأنه يعتقد انه لم يكن يحترم مبارك عندما كان نائباً للرئيس.jpgوحده يستحق المديح. يتقبل الأبيات العامة التي لا تتناول شخصاً بعينه. مثلاً يعجبه: «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى/ حتى يراق على جوانبه الدم». لكن ان يشبّه المتنبي سيف الدولة بالبدر وأنه يلتهم الجيوش، فهذا لا يريحه.

> تقصد انه لم يكن معجباً كثيراً بعبدالناصر؟

- لو استمر عبدالناصر حياً الى 1972 لكان اكبر عدو لمعمر القذافي.

> لماذا؟ ألا يتسع العالم إلا للاعب وحيد؟

- أنا تحليلي في ضوء خبرتي الطويلة معه ان السبب هو الوسط الذي جاء منه. جاء معمر من صحراء سرت فقيراً ضعيفاً جائعاً محتاجاً. طفولته صعبة. كان والده راعياً فقيراً في واد. وكان معمر يأتي للدراسة في سرت. يسير يومياً نحو عشرة كيلومترات. لم يكن لديه إخوة ذكور. له شقيقتان. أحياناً كان يجد سيارة تعيده الى بيته وحين لا يجد كان ينام في المسجد. ثم انتقل الى سبها حيث تسيطر أسرة سيف النصر وهي في موقع الزعامة في قبيلة اولاد سليمان. والقذاذفة من أتباع عائلة سيف النصر. جاءت مجموعة كبيرة من سرت وأُسكنت في القسم الداخلي. وذات يوم تسبب القذافي ببعض المشاكل فأقدم احد افراد عائلة سيف النصر وهو «الباي» محمد سيف النصر على ضربه ضرباً مبرحاً. هكذا ولدت لديه عقدة الاستضعاف والاضطهاد. سمع بشخصية عبدالناصر فأعاد انتاجها وتمثيلها أمام الطلاب وكأنه يحتمي بتلك الشخصية. احتمى الشاب الجائع المضطهد الخائف بشخصية عبدالناصر وكأنه وجد فيها طوق نجاة. لهذا كانت له مع عبدالناصر علاقة حب وتحسس في آن. بعد وصوله الى السلطة بدأ الوضع يختلف. كان عبدالناصر مهزوماً ولا يملك مالاً. في المقابل، القذافي لا علاقة له بالهزيمة ونجح في تغيير الوضع في ليبيا وهو يملك مالاً. ثم ان عبدالناصر كان مضطراً ان يطلب مالاً من القذافي. اعتبر معمر انه هزم الملكية وطرد القواعد البريطانية والاميركية وطرد الإيطاليين. هنا جاء بعض الكتّاب والصحافيين المشارقة وبدأوا إقناعه بطرق مختلفة انه اهم من عبدالناصر. انهم اقلام تشبه الشقق المفروشة ويستأجرها الحاكم الذي يملك مالاً. استمرأ معمر اللعبة وفيض المدائح. ثم جاء كثيرون من مشارق الارض ومغاربها ليقولوا له: «انت غيفارا مضروباً بمئة مرة». طبعاً كان مجرد التشبيه بغيفارا يعتبر مديحاً، فكيف اذا كان الممدوح يوصف بأنه اهم منه بمئة مرة.

لو عدت بالذاكرة لعرفت الفارق. عشية الثورة في اول ايلول (سبتمبر) 1969 كان القذافي مجرد ملازم أول مجهول. فجأة وبين عشية وضحاها صار مالئ الدنيا وشاغل الناس.

> هل تقصد انه كان القائد الفعلي للثورة؟

- طبعاً. هو من فكر فيها وخطط لها وقاد تنفيذها بعد سنوات من التآمر والبحث عن فرصة. شخصيته غريبة. حين كان طالباً كان شبه قديس. يواظب باستمرار على الصلاة والصيام. استقامته وورعه كانا مصدر إحراج لرفاقه الذين لا يتمتعون بالقدر نفسه من التمسك بهذا السلوك. كانوا لا يلعبون الورق في حضوره. ويطفئون السجائر اذا وصل. والأمر نفسه كان في الكلية الحربية. كان متديناً وثمة من سمّاه الفقيه.

> هل هو قارئ؟

- نعم. يحب قراءة كتب التاريخ. اخبرني زملاؤه انه قرأ وهو في الثانوية كتاب «الأمير» لميكيافيللي، كما قرأ كتابات ميشال عفلق مؤسس حزب البعث وكتب جمال عبدالناصر وقسطنطين زريق.

كان يتكبر على السادات

> هل كان يكره الرئيس المصري الراحل أنور السادات؟

- كان يعتبر انه أحق منه بحكم مصر. تعرف ان عبد ناصر قال للقذافي: انت أمين على القومية العربية. ثم كانت هناك روايات عن ان السادات تلكأ ليلة حدوث الثورة وذهب الى السينما وأشياء من هذا القبيل. وأن السادات لا يملك مؤهلات القيادة. يضاف الى كل ذلك موضوع المال. لهذا السبب كان القذافي يتكبر على السادات. وكان يغدق عليه الوعود ثم يربط ذلك بشروط من نوع قطع العلاقات مع السعودية او مهاجمة الملك حسين او الدخول في وحدة مع ليبيا. كان السادات يتضايق من اسلوب معمر. بدأت بينهما علاقة حب وكره، وراح منسوب الكراهية يرتفع الى ان حصل الصدام العسكري على الحدود في 1977.

> وعلاقته بالرئيس حسني مبارك؟

- كان معمر يعرف حسني مبارك يوم كان الأخير نائباً لرئيس الجمهورية ولم يكن يحترمه. كان يعامله بفوقية. في السنوات العشر الاخيرة قام بينهما نوع من التحالف وكان يقدم لمبارك دعماً غير محدود.

> لماذا؟

- مجموعة اعتبارات. خذ مثلاً. معمر اقر راتباً شهرياً للرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. وكان يقدم مساعدات لمبارك واشترى له طائرة وكان يدعمه بكل الطرق.

راتب شهري لبن علي

> لكن لماذا الراتب الشهري لبن علي؟

- لأنه أمّن له الحدود الغربية التي استخدمتها المعارضة الليبية ايام الرئيس الحبيب بورقيبة وحاولت مهاجمة باب العزيزية لإطاحة معمر. حصل تنسيق امني مطلق بين البلدين. ذات يوم اخفى مدير الامن في تونس القنزوعي بعض المعلومات عن الامن الليبي فشكا الاخير. ذهبنا انا وموسى كوسى، فكان رد بن علي: «مدير الامن عندي ولا يتعاون جيداً مع ليبيا» واتخذ بحقه إجراء فورياً. الامر نفسه كان بين ليبيا ومصر وحصل تكامل أمني. معمر كان شديد الاهتمام بالجانب الامني، خصوصاً ما يتعلق بالتنظيمات الاسلامية التي كانت فزاعة للأنظمة الثلاثة.

> تقصد وجود تعاون وثيق بين اجهزة الامن في ليبيا ومصر؟

- طبعاً. عمر سليمان مدير الاستخبارات المصرية كان يعتبر مندوب ليبيا في مصر. وكان يتولى شخصياً العلاقة بين البلدين وليست وزارة الخارجية المصرية.

> هل دفع وزير الخارجية الليبي السابق منصور الكيخيا ثمن هذا التعاون؟

- كان ابراهيم البشاري، رحمه الله، سفير ليبيا في مصر ومندوبها لدى الجامعة العربية. وكان منصور الكيخيا رجلاً مسالماً وطيباً الى حدود السذاجة وكان صديقي. الكيخيا رجل مثقف وليبرالي وصريح وقومي. راح يتردد على مصر من دون حراسة ومن دون ان ينتبه الى عمق العلاقة بين اجهزة البلدين. وكان العميد محمد المصراتي مديراً للمباحث الليبية، اي الأمن الداخلي. كان لدى ابراهيم البشاري منزل على النيل قرب منزل انور السادات وعلى مقربة من الشيراتون. اتصلوا بمنصور وقالوا له نريد ان نحكي معك. وافق المسكين وذهب. قُبض عليه هناك وسُلّم الى الأمن المصري الذي نقله سراً الى طبرق حيث كان في انتظاره عبدالله السنوسي عديل القذافي. أصعدوه الى طائرة ونقلوه الى سجنعبدالناصر وجعفر نميري والقذافي في عرض عسكري.jpgابوسليم الذي شهد مجزرة في 1996 قتل فيها 1286 شخصاً. هناك من قال ان الكيخيا قتل في المذبحة التي شهدها السجن، في حين قال آخرون انه مات بفعل المرض ونتيجة معاناته من السكري والقلب والضغط.

> هذا يعني انه لم يقتل في بيت البشاري في القاهرة؟

- لا. أُحضر الى ليبيا وشوهد في سجن ابوسليم حيث أُخضع لتحقيقات طويلة. الامن المصري سلم ايضاً سياسياً ليبياً اسمه جاب الله مطر. القذافي كان يدفع مبلغاً من المال مقابل كل معارض يسلّم اليه. وهذا يصدق ايضاً على عمر المحيشي العضو السابق في مجلس قيادة الثورة.

> ما هي قصة المحيشي تحديداً؟

- سلّمته اجهزة الملك الحسن الثاني الى الليبيين مقابل 200 مليون دولار وأُحضر بطائرة الى ليبيا وذُبح كالخروف. ذبحه سعيد راشد الذي قتل في بداية الأحداث الحالية. وتردد ان المعتصم نجل القذافي كان غاضباً منه فقتلوه مع ابنه وابن أخيه. طبعاً المحيشي اتهم بمحاولة انقلاب 1975 وفرّ الى مصر. عندما ذهب السادات الى القدس، شتم المحيشي السادات وطرد من مصر فذهب الى المغرب. كان القذافي يدعم جبهة البوليساريو وكان الحسن الثاني يخطط مع حسين حبري رئيس التشاد لتشكيل قوات في تشاد بدعم من المغرب والعراق لمهاجمة نظام القذافي من الجنوب. ثم حدثت صفقة ودفع معمر 200 مليون دولار، اضافة الى حمولة ناقلتي نفط، وتطور الامر الى اعلان اطار تعاون بين البلدين. نقل المحيشي وذبحه سعيد راشد الذي كان مهندس الكترونيات، لكنه كان يعمل مع الامن وكان من المكلفين بعمليات القتل.

> استهدفت الاغتيالات اشخاصاً آخرين؟

- نعم تمت تصفية معارضين في الخارج مثل المحامي محمود نافع في لندن، ومحمد ابوزيد ومحمد مصطفى رمضان في لندن ايضاً وعزالدين الحضيري في ايطاليا ورجل من آل العارف وقتل اشخاص في المانيا. كانوا يطلقون على هؤلاء تسمية «الكلاب الضالة». وقتل كثيرون في الداخل، بينهم عامر الدغيص قائد حزب البعث في ليبيا.

عمليات القتل

> من كان مسؤولاً عن عمليات القتل؟

- «اللجان الثورية» وجهاز الامن الداخلي وجهاز الامن الخارجي.

> هل كان يستخدم مجموعات غير ليبية في التنفيذ؟

- لا شك في ان الاجهزة الليبية استخدمت صبري البنا (ابو نضال) زعيم «فتح-المجلس الثوري» وكارلوس ومجموعات اخرى. سمعت في تلك المرحلة رواية تقول ان مجموعة فلسطينية استُخدمت في اغتيال صاحب مجلة «الحوادث» سليم اللوزي بعدما وضع غلافاً في المجلة بعنوان «العقدة والعقيد» وأنه طلب من المنفذين غمس يد اللوزي بالأسيد قبل قتله ليكون عبرة لمن يهاجم القذافي.

موسى الصدر

> ماذا عرفت عن قصة اختفاء الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى ورفيقيه في 1978؟

- هنا سأقول روايتين: واحدة قبل الانتفاضة الليبية الحالية والثانية بعد اندلاعها. في 1987 كنت سفيراً في روما. كان هناك صحافي في صحيفة «لاريبوبليكا» اسمه مجدي علام، انتقل الآن الى صحيفة اخرى واعتنق المسيحية وسمّى نفسه كريستيانو علام. طلب علام ان يعرف شيئاً عن قصة الإمام الصدر. وكان هناك الحاج يونس بلقاسم، رحمه الله، وهو كان مديراً للاستخبارات الليبية حين زار الصدر ليبيا. ثم عيّن بلقاسم في المانيا وهو كان عقيداً في الشرطة في العهد الملكي، ويقال انه جنّد من جانب الالمان في الحرب العالمية الثانية وتعاون معهم. وحتى اثناء عمله في الاستخبارات الليبية كانت له علاقة بالالمان وطُلب منه ان يكون منسق العلاقات الامنية معهم. جاء بلقاسم الى ايطاليا وكان معي ابراهيم البشاري وزير الخارجية ومدير الاستخبارات. قلت لبلقاسم: اخبرني عن قصة الصدر، فقال: أشك في ان يكون ابو نضال قد قتله، مشيراً الى ان عشرات الجثث عثر عليها تحت ارض الفيلا التي كان ابو نضال يقيم فيها. سألته: لماذا يقتل ابو نضال شخصية متعاونة مع المقاومة؟ فأجابني: ابو نضال شخص مجنون.

خلال الجلسة ألمح بلقاسم الى رواية اخرى مفادها ان الصدر حصل على مساعدة من ليبيا تزيد على مليوني دولار سلّمت اليه خلال الزيارة وأن طرفاً في ليبيا باعه وأبلغ المافيا في ايطاليا بأنه يحمل مبلغاً كبيراً فخطفته وقتلته واستولت على المال. طبعاً ايطاليا كانت مضطربة في تلك الفترة. وقال بلقاسم تلك الرواية لعلام.

بعد الانتفاضة الليبية استمعت الى رواية اخرى تقول ان الإمام الصدر قتل في ليبيا لأنه اصطدم بالقذافي خلال استقبال الاخير له وقال له: انت لا تفهم في الاسلام. لا اريد ان اقول من اورد لي هذه الرواية، لكنني سمعت انه قتل على يد احد الضباط المقربين من القذافي ودفن سراً في طرابلس. وثمة من قال ان الضابط لاحظ انزعاج القذافي من ضيفه فلجأ الى تصفية الضيف لأنه تجرأ على القائد. طبعاً كانت محكمة ايطالية تحدثت عن ان الصدر دخل ايطاليا وبجواز سفره، لكن الشخص الذي مثّل دور الصدر لم يكن شبيهاً فعلياً له. وتم لاحقاً تداول اسم الليبي الذي لعب هذا الدور وملامحه ليست قريبة جداً من ملامح الصدر. يونس بلقاسم مات في الإقامة الجبرية واتهم بالخيانة، لكن هذه الاشياء قد تظهر بعد سقوط النظام.

> ما هي الأسباب التي تدعو القذافي الى اتخاذ قرار بقتل شخص ما؟

- متابعة سلوكه تقود الى استنتاج طريقة تصرفه. انه يأمر بقتل من يتآمر عليه ويحاول ان يسقطه ولو كان من اقرب الناس اليه كما حصل مع العقيد حسن اشكال.

> ما هي قصة اشكال؟

- هذا ابن عمه وكان من فريق القتلة، لكن قيل انه كانت له اتصالات مع الامن الفرنسي وأن هذه الاتصالات قد ضبطت. طلب القذافي من احد اقاربه ان يقتل اشكال، وهذا ما حصل. القذافي لا يتهاون ابداً مع من يقترب من الكرسي. الثاني في لائحة القتل هو من يتطاول على شخصه. لا يقبل أن تشوّه صورته او سمعته. اذا ارتكب ليبي شيئاً من هذا النوع، فإن القذافي مستعد لدفع ثروة من اجل تصفيته. الثالث في لائحة القتل هو من يتطاول على عائلته. الاتهامات الثلاثة لا يمحوها إلا الدم. حين يسقط النظام سنعرف بالـتأكيد مصير مئات من الليبيين يحيط الغموض بظروف اختفائهم او مقتلهم. وهناك اغتيالات حصلت في الخارج ولم يسلط عليها الضوء.

هناك مرحلة تمتد من 1975 الى بداية التسعينات كان معمر القذافي فيها عنيفاً جداً في تعامله مع الداخل والخارج. عبدالرحمن شلقم.jpgألقى في مطلع الثمانينات خطبة اطلق فيها عملية تصفية من سمّوا بـ «الكلاب الضالة». قال في الخطاب: «سنقتلهم. وسنسبي نساءهم. ونيتّم اطفالهم. ونرمّل زوجاتهم». ألقى الخطاب أمام مئات الآلاف وكان مرعباً.

> هل تعتقد انه كان وراء التصفيات التي نفذها ابو نضال في حق مندوبين لمنظمة التحرير الفلسطينية في بعض العواصم؟

- انا لا اريد ان ألقي كل شيء على القذافي، لأننا نقف اليوم في الصف المعارض له. كان يموّل ابو نضال وهذا ليس سراً. وكان يستخدمه وهذا معروف. اما استهداف هذا الاسم الفلسطيني او ذاك، فقد تكون فيه حسابات فلسطينية داخلية او حسابات اخرى. اهتمام القذافي يتركز على سلامة نظامه ومخططاته. القتل ليس عملية مجانية. احياناً تتداخل حسابات الجهات والأجهزة.

-

حاول القذافي اغتيال الملك عبدالله وحلم بتقسيم السعودية والإيرانيون دكّوا المدن العراقية بصواريخ العقيد (2)
الأحد, 17 يوليو 2011
روما - غسان شربل
قال وزير الخارجية الليبي السابق عبدالرحمن شلقم إن العقيد معمر القذافي أصيب في السنوات الأخيرة بعقدة احتمال أن يواجه مصيراً مشابهاً لمصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وكشف أن كراهيته سابقاً لصدام مكّنت الإيرانيين من دك المدن العراقية بصواريخ ليبية. وتحدث شلقم عن الجهود التي بذلها بعد ضلوع الاستخبارات الليبية في خطة لاغتيال الملك عبدالله بن عبدالعزيز مؤكداً أن القذافي كان يحلم بتقسيم السعودية ويدعم من ينتهجون سياسة معادية لها.

وهنا نص الحلقة الثانية:

> كيف كانت علاقة القذافي بالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد؟

- أنا كنت وزيراً للإعلام في 1981 - 1982 وعرفت عدداً من المسؤولين السوريين في تلك الفترة. كانت قصة الصمود والتصدي هي المطروحة وكان السادات هو الخصم الأول. وكانت سورية مفتاحاً مهماً في هذا الموضوع. سورية تمسك بالقرار في لبنان أيضاً وهو إحدى الساحات التي استخدمت في هذه المعركة آنذاك. كانت سورية تريد الإفادة من القذافي. وكان القذافي يريد الإفادة من سورية. ظهرت اختلافات أو تباينات لكن لم تحصل صدامات. الأسد كان ذكياً في استيعاب معمر وهذا ما سمح له باستعماله. وكان لدى القذافي نوع من التهيب حيال الأسد.

> وعلاقته لاحقاً مع الرئيس بشار الأسد؟

- لم تكن العلاقة جيدة وكان القذافي يتكلم على الأسد في غيابه بنوع من التهكم ويعتبر أن من واجب بشار أن يطيعه. وحين كنت أطرح ضرورة تعزيز التعاون الاقتصادي مع سورية لم يكن يظهر حماسة. حضرت لقاءات عدة بين الرجلين خلال مشاركة القذافي في القمة العربية التي عقدت في دمشق.

للأمانة أقول إن بشار الأسد اهتم باحاطة القذافي بكل ما يلزم من الاحترام. قاد السيارة بنفسه وكان يرتدي بنطلوناً من الجينز وأخذنا إلى مطعم. في الليل بقيت قليلاً مع القذافي واقترحت عليه أن نقوم بمشروع تعليمي وثقافي في سورية وأن نساعدهم في مشروع للإسكان وان ذلك أفضل لنا من أن نقدم المساعدات لدول بعيدة في آسيا. لاحقاً درست الموضوع مع رئيس الوزراء البغدادي المحمودي وأقلع المشروع. كانت هناك أيضاً وديعة قديمة قيمتها نصف بليون دولار وضعت لدعم سعر الليرة السورية وأنكر الأشقاء في سورية في البداية وجودها لكن عثر على الوثائق لاحقاً وقلنا نعيد استثمارها في سورية. وهذا ما حصل.

> كأنك تشير إلى أن العلاقة بين الزعيمين لم تكن جيدة؟

- دعني أحكِ لك السبب. كان القذافي يتعاطى مع رئيس تانزانيا كوكويتا. شكا إلي الرئيس، وعمره 63 سنة، أن القذافي يخاطبه قائلاً له: «يا ابني». كان يستخدم الأسلوب نفسه في مخاطبة العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي كان أيضاً يتضايق. الشيء نفسه بالنسبة إلى الملك عبدالله الثاني والرئيس بشار الأسد. تصور أن القذافي يقول: «يا ابني يا أوباما». الحقيقة أن هذه الصيغة من القذافي كانت مقصودة لممارسة نوع من الفوقية وتأكيد أنه الطرف الأكثر أهمية أو خبرة.

> وعلاقته بصدام حسين؟

- صدام كان شرساً مع القذافي. في إحدى القمم العربية قال له: أخ معمر ماذا سميت ليبيا؟ الجماهيرية العربية وايش اعطيني العنوان الكامل؟ طبعاً هذا الكلام رسالة استخفاف علنية. القذافي كان يخشى صدام حسين لأن الأخير صاحب شخصية صدامية. تحولت العلاقة إلى كراهية شديدة. هذه الكراهية كانت أصلاً وراء قيام القذافي بتسليم إيران الصواريخ التي استخدمتها في دك المدن العراقية.

الحقيقة أن بعد غياب عبدالناصر اعتقد كثيرون أن الكرسي فارغ. إخواننا في الخليج لم تكن لديهم فكرة الزعامة القومية. يهتمون بمنطقتهم وبالشؤون العربية والإسلامية لكن ليس لديهم مشروع زعامة على مستوى الأمة. حتى الملك فيصل بن عبدالعزيز لم يقدم نفسه كزعيم وحيد للأمة العربية. الإخوة في المغرب العربي لم يخوضوا أيضاً حرب الزعامة العربية الشخصية. السباق كان دائماً من اختصاص الذين يرفعون الشعارات القومية. السادات خرج من سباق الزعامة حين اختار طريق كامب ديفيد. حافظ الأسد كان يمارس في الزعامة قدراً من الواقعية. بلاده ليست غنية والزعامة تحتاج إلى إنفاق لشراء الضمائر المفروشة التي تشبه الشقق المفروشة. الأسد بسبب أوضاع بلاده كان يقبض ولا يدفع. هذا لا يلغي أن الأسد كان رقماً مهماً في معادلة المنطقة بسبب استثماره أهميةَ موقع بلاده وكذلك بسبب حنكته ومحاولته جمع أكبر عدد من الأوراق خارج حدوده كلبنان والموضوع الفلسطيني. إذاً، بقي في السباق صدام حسين ومعمر القذافي. الأول بعثي والثاني ناصري ولدى كل منهما المال لشراء حلفاء ومؤيدين ومدّاحين. وجاء موضوع إيران فاختلفا.

بدأ السلوك الثأري يتخذ بعداً جديداً. راح القذافي يدعم أكراد العراق. وجاء قادتهم مرات إلى ليبيا. ثم دعم المعارضة العراقية. رد العراق بدعم تشاد ضد ليبيا. ثم استقبل المعارضة الليبية وساعدها وأنفق عليها. يضاف إلى ذلك أن معمر كان قلقاً من حزب البعث ولهذا قتل مسؤوله في ليبيا عامر الضغيص.

حفيد موسى الكاظم؟

> وعلاقة القذافي مع إيران؟

- من أسبابها كراهيته لصدام حسين ورفع إيران شعارات معادية لأميركا واعتقاده انه يمكن أن يستفيد من الثورة الإيرانية وأنه قد يستطيع إعداد مشروع يزاوج فيه بين ما يعتبره فكره الأممي والفكر الشيعي. كان القذافي يسوق أيضاً أنه من أحفاد موسى الكاظم أحد أئمة الشيعة. وحين استُهدف بعض المراقد في العراق بعث بمساعدات ووفد من قبيلته. وهناك عنصر آخر وهو أنه كان يأمل في استخدام ورقة إيران لإزعاج الدول العربية في الخليج وابتزازها.

> هل تقصد أنه قدم الصواريخ لإيران مجاناً؟

- نعم.

> كيف كانت علاقته بياسر عرفات؟

- قبول القذافي بالآخرين مرهون باستعدادهم للتبعية له أو بحاجته المصلحية لهم. ما عدا ذلك لا يقيم شأناً لأي علاقة. إما أن تجلب له منفعة أو تدفع عنه ضرراً. هذا يتعلق بالأفراد وبالدول أيضاً. علاقته بعرفات كانت قلقة. لعرفات وهج حامل القضية والقذافي يريده تابعاً لأنه يدعمه مالياً وعرفات زئبقي ويريد توظيف كل العلاقات في خدمة قضيته.

كنا في سرت وجاء عرفات في وقت كانت منظمة التحرير تعيش أزمة مالية خانقة. طلب مساعدة من القذافي فردّ عليه بالقول: «أنا لا أحكم في ليبيا ولا أستطيع أن أدفع أموال الليبيين ولدينا مشاكل كثيرة. لماذا لا تذهب وتتحدث أمام مؤتمر الشعب العام (البرلمان)». في السر أعطيت تعليمات لبعض أعضاء البرلمان لمهاجمة عرفات. إنها لعبة من ألعاب القذافي لكي يُشعر الآخرين بالحاجة إليه.

جاء ياسر عرفات مرة بعد فشل محادثاته في كامب ديفيد وكنت وزيراً للخارجية. كان محمود عباس (أبو مازن) مع عرفات. دخل الرئيس الفلسطيني فبدأ معمر يشتم أبو مازن: «أنت خائن. أنت صنعت اتفاق أوسلو. يجب أن تقوم بانتفاضة لكي تكفر عن ذنوبك». هذا قبل المصافحة. عرفات كان بارعاً. راح يبتسم ويشجع القذافي ويقول له: «يستاهل أكثر». طبعاً إنها براعة عرفات الذي يعرف أطباع القذافي وآلاعيبه.

جلسنا وتحدث ياسر عرفات. كان معمر مستهتراً وغير منتبه ثم قال لعرفات: «ما فيش حل مع الصهاينة إلا الحرب. الأميركان معاهم. أنت يجب ألا تكون النسخة الثانية من السادات وألا تعمل اسطبل داود (كامب ديفيد)». كان معمر يتندر كثيراً على عرفات في غيابه. مثلاً قال مرة إن عرفات كان يصلي والتلفزيون يصوره وإن نايف حواتمة (الأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين) قال للمصور: إذا لم توقف التصوير فإن عرفات مستعد أن يصلي حتى الصباح.

مع الفلسطينيين

> من كان يحب من المسؤولين الفلسطينيين؟

- كان يحب أحمد جبريل (الأمين العام للجبهة الشعبية - القيادة العامة). كان جبريل من أتباعه ويعمل معه. القذافي استعمل جبريل. وجبريل استعمل القذافي. طبعاً مع الالتفات إلى أن جبريل موالٍ لسورية أولاً وأخيراً. شطارة جبريل أنه لم يكتفِ بإقامة علاقة مع القذافي وحده. أقام علاقة مع أبوبكر يونس جابر وزير الدفاع وقائد الجيش ومع عدد من الضباط. هذا هو الفارق بين جبريل ومسؤولين فلسطينيين آخرين كانوا يكتفون بمقابلة القذافي والحصول على مساعدة والمغادرة. كان جبريل يعزف على الوتر الذي يحبه القذافي ويتحدث عن العقيد كمناضل كبير وقائد.

> هل موّل الانشقاق داخل حركة «فتح» في 1983؟

- نعم، هو قدم دعماً مالياً وكان قدم السلاح وبالتأكيد كانت سورية متعاطفة مع هذه الحركة ووفرت لها دعماً ميدانياً أو تسهيلات. في هذه المواضيع كانت مواقف معمر تتقاطع مع الحسابات السورية. كانت سورية تستفيد من معمر لتغطية الجانب المالي وكان يجمع الطرفين العداء لعرفات فضلاً عن شعارات كثيرة. معمر مزاجي. ذات يوم كان إبراهيم قليلات (رئيس حركة الناصريين المستقلين - المرابطون) هو كل شيء. ثم دعم الضابط أحمد الخطيب الذي انشق عن الجيش اللبناني. يمكن القول إن سفير ليبيا في لبنان في تلك المرحلة صالح الدروقي أنفق البلايين على الدعم العسكري والمالي لأحزاب وشخصيات ومؤسسات. هناك كميات هائلة من الأسلحة أرسلتها ليبيا إلى الفلسطينيين في لبنان وكانت لا تزال في صناديقها حين استولت عليها إسرائيل إبان اجتياح 1982. استشهد ليبيون مع الفلسطينيين وعادت جثامين بعضهم قبل ثلاث سنوات.

يردد الليبيون نكتة: ذهب معمر إلى عبدالناصر وسأله «كيف أستطيع أن أكون زعيم العرب؟». أجابه عبدالناصر: «إذا كنت تريد أن تكون زعيم ليبيا فاترك القضية الفلسطينية. وإذا كنت تريد أن تكون زعيم العرب فاحتضن القضية الفلسطينية». ويكمل الليبيون أن القذافي لم يستطع تحقيق هذا ولا ذاك.

> ما هي قصة محاولة اغتيال الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان ولياً للعهد؟

- هذه ليست سراً. في القمة العربية في قطر حصلت مشادة تبعتها مصالحة. ذهب عبدالله السنوسي وجلس مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ومعمر القذافي. خلال اللقاء قال السنوسي للعاهل السعودي: «يا جلالة الملك أنا خططت وعملت من أجل اغتيالك من دون معرفة القائد (القذافي)». طبعاً هذا الكلام هراء لأن القذافي لا ينكر ذلك.

ذات يوم أخذني الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة جانباً وقال لي: «يا عبدالرحمن، معمر القذافي يفتقد أهم شرط من شروط القيادة وهو التسامح، لأن معمر إنسان لا يتسامح. إنه حاقد على الملك عبدالله بن عبدالعزيز». التقيت الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأخبرته القصة، قال لي «يا ابني يا عبدالرحمن أي شيء تعمله إنت وأخوك سعود الفيصل أنا قابل به، أنا أثق بك أنت إنسان شجاع، إنسان فصيح، وأنا صريح». HA76020.jpg

في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب دعاني (الأمير) سعود الفيصل إلى الإفطار معه. قامت قيامة وسائل الإعلام ووكالات الأنباء لأن وزير خارجية ليبيا يجلس مع وزير خارجية السعودية وكان ذلك في القاهرة في 2007. اتصلوا من القيادة من طرابلس، ولما رجعت حققوا معي وضغطوا عليّ. أبلغتهم أن الأمير سعود الفيصل كان منطقياً جداً وقال لي هناك مؤامرة لقتل ولي العهد. والأمير سعود رجل أحترمه جداً وهو صديقي رجل شفاف وصادق ونظيف. قال لي إن الاستخبارات تقوم بأعمال غير نظيفة وتكلمنا عن أسماء ووقائع وأشياء أعرفها وكنت أريد حل المشكلة. أنا أريد التقريب ولا أريد التخريب. وسعود الفيصل أيضاً رجل بنّاء وأيضاً مع التصالح. أخذوني إلى التحقيق وأمام المؤتمر الشعبي العام وسببوا لي مشاكل. وكلمني معمر القذافي هاتفياً وهو متوتر وهددني: كيف تتكلم مع (الأمير) سعود الفيصل (...) لكنني شعرت بأنه موافق على أن أبحث عن حل. واستدعتني أمانة المؤتمر الشعبي العام ليلاً وحققت معي. كان سعود الفيصل قرأ عليّ ملفاً من تسع صفحات حول محاولة اغتيال الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان آنذاك ولياً للعهد. وللأسف كل ما قاله كان صحيحاً ومعمر كان مجنوناً وأنا حاولت أن أقنعه، والله، أن يخلع من عقله قصة تصفية (الأمير) عبدالله. يريد أن يقتل الأمير عبدالله ويدمر السعودية ويقسّم السعودية، وقلت له: يا أخ معمر والله هذا لن يحصل لن تستطيع أن تصفّيه ولن تستطيع أن تقسّم السعودية، لكن دعني أذهب إلى السعودية. قال لي لا، لا تذهب. قلت له على كل حال هذه فكرتي أطرحها على الطاولة إذا قررت أذهب إلى السعودية. وأنا خارج من الباب لحق بي شخص أعتقد انه محمد جمعة من حراس معمر فعدت. قال لي معمر القذافي: يا عبدالرحمن اسمع لي. لماذا لا تلتقي سعود الفيصل وتحاول أن تقنعه أن نرتب معه لإسقاط الأميرعبدالله بن عبدالعزيز. تبسمت. قلت له أيها الأخ القائد هذه العائلات لديها ولاءات لا تفرط بها. هذا الموضوع لا أستطيع ان أتحدث به إطلاقاً أرجوك. قال لي لاحقاً: وماذا عن تقسيم السعودية؟. والله أنا أتذكر أنني رفضت التعليق – لأنني (كنت أريد) أن أقول له تقسيم ليبيا أسهل من تقسيم السعودية فهذا ما حضر إلى ذهني. بالنسبة لي أنا مستعد أن أنتحر ولا أرى تقسيم ليبيا ولا أريد تقسيم أي دولة عربية.

طبعا قضية الملك عبدالله كانت الشغل الشاغل للقذافي وتتحكم بمواقفه وعلاقاته. كان يدعم بالمال معارضاً سعودياً مقيماً في لندن. ووصلت كراهية معمر إلى حد أنه كان يحلم بتقسيم السعودية.

تحريض الأردن على السعودية

ذات يوم جاءنا الملك عبدالله الثاني فراح معمر يخبره عن إذاعة معارضة للسعودية تبث من لندن. ثم بدأ يحرضه ضد السعودية ويقول له: لماذا لا تتحرك (...) ولماذا تبقى في الأردن الفقير؟ طبعاً العاهل الأردني رجل عاقل ويعرف ككثيرين أوهام القذافي. حتى المسؤولون الذين كانوا يأتون من أفريقيا أو مناطق بعيدة من آسيا كان معمر يحاول تحريضهم ضد السعودية. أنا تركت وزارة الخارجية في 6 مارس (آذار) وذهبت في 11 منه لوداع القذافي بعدما عينت مندوباً لليبيا لدى الأمم المتحدة. طوال الجلسة كان يحرضني على ضرورة أن أحرّض المسؤولين الأميركيين وأعضاء الكونغرس والإعلاميين ضد السعودية والوهابية واعتبر ذلك مهمتي الأولى. كانت السعودية هاجسه الكبير وكان يشدد على أن أسامة بن لادن سعودي وكأنه يريد تحميل السعودية مسؤولية هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001. السعودية كانت عدوه الأول.

> لماذا؟ هل بسبب المشادة بين الزعيمين في شرم الشيخ؟

- كان يشعر بالغيرة من السعودية ويعتبرها عائقاً أمام سياساته وطموحاته. هو لديه المال لكن السعودية لديها أكثر. ثم إن السعودية لديها مكة والمدينة ما يعطيها موقعاً طبيعياً في العالم الإسلامي. وللسعودية ثقل عربي وتأثير في دول عربية بارزة وبينها مصر. وللسعودية علاقات قوية بأميركا وأوروبا. ثم إن السعودية تدعم نهجاً معتدلاً في المنطقة ولها كلمة مؤثرة في منظمة «أوبك».

دور هيكل

ذات يوم ذهبت إلى معمر في منطقة اسمها السداده. يومها جاء وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط ومدير الاستخبارات عمر سليمان في وساطة لإنهاء الخلاف مع السعودية. انفعل معمر وراح يخاطب الوفد المصري: «أنتم تابعون للسعودية إنها ترشوكم. أنا أيضاً لدي فلوس وأستطيع أن أرشو». كان شديد الانزعاج من علاقات السعودية بالمغرب والأردن ولبنان وخصوصاً السنّة فيه والتوازن الذي تقيمه هناك مع سورية فضلاً عن دورها في مجلس التعاون الخليجي. كانت لديه قناعة بأن السعودية اتخذت موقفاً سلبياً من الثورة الليبية. وللأسف لعب محمد حسنين هيكل دوراً في تحريضه. هيكل كان متعاطفاً مع القذافي ولا يزال. وهذا ما أسميه أنا السلفية القومية. إنني أشير إلى اللغة البلاستيكية أو الخشبية والحملات على الإمبريالية والاستعمار. هؤلاء يقيمون في مرحلة تجاوزها الزمن. الذي يستطيع أن يتقن صناعة الحنطور في القرن الخامس عشر لا يستطيع بالضرورة أن يتقن صناعة الكمبيوتر في القرن العشرين. هؤلاء بقوا هناك. دعني أكن صريحاً. المتاجرة بشعارات الوحدة العربية ماذا جلبت لنا غير الهزائم والكوارث والعداوات والتخلف؟ هيكل كان يقول إن السعودية ضد الثورة في ليبيا وإنها حاولت تحريض الأميركان والإنكليز لإسقاطها مبكراً، وإنها نصحت الملك إدريس بعدم التنازل. حتى في تعليقه على الانتفاضة الليبية اليوم يرتكب هيكل مغالطات. يقول إن قبيلة البراعصة التي تنتمي إليها زوجة القذافي لها امتداد في مصر. كأن هذا الرجل حاطب ليل. لا يعرف أن البراعصة هم في منطقة البيضا وهي قبيلة صغيرة ولا يوجد في مصر ولو عشرة من أبنائها. وهو لا يعرف الفرق بين أولاد علي وهي قبيلة من أصول ليبية بدوية لكنها مصرية بالكامل. سمعته يتحدث عن وقوف القبائل مع القذافي وعن خطر «القاعدة». وعدنا هيكل قبل عشرة أعوام أن يصمت وليته فعل. يتكلم عن «الناتو» ويتناسى أن قرار مجلس الأمن كان يحتاج الى قوة ليطبق. ثم إن «الناتو» معه قطر والإمارات والأردن ومساعدات من دول أخرى. إنني أسأله: من دمر مصراتة قبل تدخل «الناتو» ومن دمر الزاوية ونبش القبور ومن قصف بنغازي؟ لولا تدخل «الناتو» في 19 مارس لكانت بنغازي أكبر قبر في التاريخ.

> لنعد إلى علاقات القذافي. كيف كانت علاقاته مع الدكتور جورج حبش الأمين العام لـ «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»؟

- ليس صحيحاً أن موضوع الدين كان مهماً بالنسبة إلى القذافي على رغم تصريحاته التي دعا فيها المسيحيين اللبنانيين الى اعتناق الإسلام. حبش كان يختار إبقاء مسافة معينة مع من يلتقيهم ونجح في تحقيق ذلك مع القذافي لأنه كان رجلاً نظيف الكف ونزيهاً وواضح الأفكار وصاحب قضية. حبش يتحدث ولا يتملق ويفرض احترامه على الجميع. ولم يكن يستخدم ديبلوماسية القبل والمدائح التي اعتمدها عرفات. طبعاً هذا لا يقلل من أهمية عرفات الذي كان يعرف أن يقول لا حين يكون ذلك ضرورياً. أثناء الحصار الإسرائيلي بيروتَ وحين نصح القذافي القادة الفلسطينيين قائلاً: الانتحار ولا العار قال له عرفات: «تفضل وانتحر معنا».

> وعلاقته بصلاح خلف (أبو إياد) عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»؟

- كان أبو إياد بمثابة عدو للقذافي. في 1980 كنت رئيساً لتحرير وكالة الأنباء الليبية وكان الدكتور مفتاح الاسطى عمر، رحمه الله، مديراً لمكتب القذافي. طلب مني مفتاح كتابة تعليق يتضمن القول إن صلاح خلف من أصل يهودي وشدد على نشره سريعاً في نشرة الوكالة. قلت له: «هذا لا يجوز لأن خلف سيأتي بعد وقت ويعانق معمر. يمكن أن نكتب أنه مخطئ ويمكن حتى أن نقول إنه خائن ولكن لا يجوز أن نقول إنه من أصل يهودي والرجل مناضل فلسطيني». غاب قليلاً ثم اتصل قائلاً إن القائد يطلب منك تنفيذ الأمر. ذهبت إلى مقر القيادة في باب العزيزية. قلت للاسطى إنني أريد مقابلة القائد. فأجابني انه سيطلق عليك النار وسيصل به الأمر إلى درجة مهاجمة الوكالة بالدبابات لأنه اتهمك بالاستيلاء على الوكالة. بقيت نصف ساعة. خرج الاسطى وعاد ليبلغني بضرورة إعداد التعليق ونشره. كتبت التعليق انطلاقاً من تصريح لخلف وقلت فيه إن من يدلي بتصريح من هذا النوع يوحي بأنه صوت يهودي وبث التعليق في الفترة الميتة أي بعد صدور الصحف لشعوري بأن معمر يفضل هذا النوع من المعالجات. الحقيقة أن أبو إياد كان شخصية قوية وكان يصطدم كثيراً بالقذافي وبعبدالسلام جلود ويجاهر برأيه ويغضب ويسافر. وفي فترة من الفترات راح أبو إياد يدعم المعارضة الليبية ويعطي بعض أفرادها جوازات سفر مزورة.

> هل يمكن أن تكون لأجهزة القذافي علاقة باغتيال أبو إياد في تونس بعد الغزو العراقي للكويت خصوصاً أن القاتل كان يعمل لمصلحة أبو نضال؟

- لا أريد التكهن في غياب المعلومات.

> كيف كان موقف القذافي من الغزو العراقي للكويت؟

- بأمانة أقول كان القذافي غاضباً جداً من صدام. ولكنه كان غاضباً كمن يقرأ في المستقبل. وكان يقول إنه مهما كان الثمن يجب ألا نستقوي بالآخر ضد أي عربي. كأنه كان يقرأ ما سيحلّ به. قال شيئاً من ذلك في خطابه في القمة العربية في دمشق حين تحدث عن إعدام صدام. قال للقادة العرب سيجيء دوركم. في غزو العراق الكويت حلم بأن يعيد ما قام به عبدالناصر حين هدد عبدالكريم قاسم الذي هدد الكويت. طبعاً الصورة مختلفة وموازين القوى مختلفة.

> كيف كان رد فعل القذافي على إعدام صدام؟

- أعدم صدام في صبيحة عيد الأضحى. ليلة العيد كنت ورئيس الوزراء البغدادي المحمودي عند معمر القذافي. عدت إلى مزرعتي على بعد نحو عشرة كيلومترات من طرابلس ونمت. خلال الليل راح يتصل بي المحمودي لكن الهاتف كان بعيداً عني. حدثني باكراً مشيراً إلى أن الأخبار تتحدث عن قرب إعدام صدام وقال إن القائد حزين جداً وأفضل شيء لامتصاص غضبه أن نعلن الحداد ثلاثة أيام. كانت علاقتي قوية بالبغدادي وأنا أعرفه من أيام الدراسة لكن السياسة مفرق كبير فقد افترقنا الآن. روج كلاماً عن إقامة تمثال لصدام في ليبيا لكنها كانت مجرد كذبة لامتصاص المشاعر.

لاحقا تبيّن أن معمر أصيب بهاجس مفاده أنه قد يواجه مصيراً مشابهاً لمصير صدام. أولاً هناك حالة العداء مع أميركا. ثم إن صدام لم يتهم يوماً بالقيام بعمليات ضد الأميركيين خارج بلاده في حين BU8531.JPEX.jpgأن معمر أمر بمثل هذه العمليات. وهناك أيضاً اتهام ليبيا بامتلاك أسلحة للدمار الشامل. كان واضحاً أنه يخشى تكرار السيناريو. هناك مسألة استوقفت المراقبين. علي الكيلاني ضابط وشاعر ومدير إذاعة وابن عم العقيد نظم قصيدة تصف صدام بالقديس والبطل وهو شاعر شعبي مؤثر. لم يكن من عادة معمر القبول بتمجيد شخص آخر الا بموافقة منه. وما كان معمر ليوافق على تمجيد من كان يكرهه لو لم يقرأ في مصيره إنذاراً لشخصه وكأنه يخاطب قدراً ما في الأفق ويقول له: «لا تقترب مني». الغريب أنه يجد نفسه الآن في مواجهة هذا القدر في ليبيا. كان القذافي يهاجم الأميركيين لكنه كان يخشاهم. تجربة الغارة الأميركية على ثكنة باب العزيزية ذكرته بقدرتهم على الوصول إليه حين يتخذون قرارهم.
عملية لوكربي معقدة وليست صناعة ليبية خالصة ومفاوضات شاقة انتهت بدفع التعويضات (3)
الإثنين, 18 يوليو 2011
روما - غسان شربل
يؤكد وزير الخارجية الليبي السابق عبدالرحمن شلقم ان الاستخبارات الليبية كانت وراء تفجير مقهى لابيل في برلين في نيسان (ابريل) 1986 والذي ردت عليه أميركا بغارات على مقر القذافي في ثكنة باب العزيزية في طرابلس. لن يتوقف نظام القذافي عند هذا الحد. في 1988 انفجرت طائرة «بان اميركان» فوق لوكربي وتسببت في سقوط 270 قتيلاً. ويقول شلقم ان تفجير لوكربي لم يكن صناعة ليبية خالصة لكنه يكشف ان تفجير طائرة «يوتا» فوق صحراء النيجر في 1989 كان بسبب الاعتقاد بوجود معارض ليبي على متنها. أشرف شلقم على إنهاء قصة التعويضات المتعلقة بالطائرتين كما اشرف على معالجة ملف تخلي ليبيا عن اسلحة الدمار الشامل.

وهنا نص الحلقة الثالثة:

> لنعد الى الداخل الليبي. قتل ابراهيم البشاري وزير الخارجية السابق والمدير السابق للاستخبارات في حادث سير هل كان الحادث طبيعياً؟

- ابراهيم البشاري كان صديقي. سأخبرك مسألة. في 1994 حصل خلاف بيني وبين القذافي وبقيت حتى سنة 1999 بلا عمل. كان البشاري آنذاك مديراً لمكتب القذافي. كان يأتي ونخرج في السيارة. ذات يوم جاء اليّ وقال: سنسافر غداً مع القائد في سرت. كان ابراهيم شديد الحذر ولا يقترب من أي موضوع صعب الا اذا كنا نسير في الهواء الطلق او في سيارة لا يتوقع ان تكون زرعت فيها اجهزة للتنصت. كان يتفادى توجيه أي انتقاد الى معمر. المهم قال انه لن يذهب مع معمر بل سيلحق به. يبدو ان سائقه لم ينم تلك الليلة لانه سينطلق باكراً. لدى وصولهم الى منطقة اسمها القره بولي وهي منطقة تعرجات وانعطافات غفا السائق وانتقل من جانب من الطريق الى آخر وحصل صدام مع سيارة. قتل البشاري وسائقه كما قتل سائق السيارة الاخرى. ذهب موسى كوسى الى مكان الحادث وأجروا تحليلات حتى للشاي الذي شربه السائق وتبين ان الحادث غير مدبر. الاستنتاج نفسه وصل اليه ابراهيم بجاد صديق البشاري الذي زار مكان الحادث ايضا. اقول وبوضوح ان البشاري لم يقتل في حادث مدبر.

> قيل انها كانت عملية مدبرة لأن البشاري مطلع على عمليات أمنية حساسة؟

- هذا غير صحيح.

> هل كانت للبشاري علاقة بتفجير لوكربي؟

- لا.

لوكربي

> لنتحدث اذاً عن لوكربي. ما هذه القصة؟

- في 1986 أغارت الطائرات الاميركية على منزل القذافي في باب العزيزية بحجة الرد على ضلوع اجهزة القذافي في تفجير مقهى في برلين وفي حادث في مطار روما ادى الى مقتل اميركيين. بعدها حصلت لوكربي ووجهت اصابع الاتهام الى ليبيا. حاولت يومها ان استفهم من البشاري فلم احصل منه على شيء محدد خصوصاً ان بعض السيناريوات تحدثت عن دور ايراني وأخرى عن دور سوري.

بسبب لوكربي تعرضت ليبيا لعقوبات شديدة ادت مع الوقت الى انهاك الليبيين. انا اشرفت على حل المسألة ودفعنا تعويضات والحقيقة اننا لم ندفع كل المبلغ. ثم سارعنا الى تعويض ما دفعناه عن طريق صفقات نفطية.

بعد حل المشكلة دعونا الى اجراء تحقيق عكسي. الاخوان في القيادة كانوا يسارعون الى القول: «يا أخ عبدالرحمن هذا ملف اقفل ومن الافضل ان تنساه». وكلما كنت اقترح اجراء تحقيق كنت اتلقى الجواب نفسه. لا أحد يريد اعادة فتح الملف والتحقيق فيه. استنتجت ان لوكربي قد تكون نوعاً من الانتقام من الغارة على باب العزيزية.

طبعاً هنا يجب ان اقول ان تفجير مقهى «لابيل» في برلين كان من عمل سعيد راشد وهو مهندس الكترونيات عمل في الاستخبارات الليبية وكانت هناك تسجيلات تثبت هذه المسؤولية.

> بواسطة من نفذ هذا التفجير؟

- بواسطة عملاء ليبيين وحكم على أحدهم.

> وطائرة «يوتا» فوق النيجر؟

- فجرتها الاستخبارات الليبية. اعتقدوا ان محمد المقريف، احد زعماء المعارضة، موجود على متنها. وبعد تفجير الطائرة تبين ان المقريف ليس موجوداً. لوكربي عملية مركبة ومعقدة. حكي يومها عن ادوار لدول ومنظمات. الامن الليبي طرف فيها لكنني اعتقد انها ليست صناعة ليبية خالصة.

> من اتخذ قرار دفع التعويضات؟

- كان هناك حصار بسبب لوكربي وتسبب في انهاك الليبيين. كان هناك شخص اسمه فرحات بن قدارة محافظ البنك المركزي الليبي وهو الآن انشق وانضم الى الثوار. كان هناك مصرف اسمه «الاي بي سي» العربي في البحرين وكان هو عضواً في مجلس ادارته. وكان هناك محام اسمه كلايندلر. وكان محامو لوكربي شكّلوا لجنة تسيير وكان كلايندلر يمثلهم. ذهب بن قدارة الى البحرين والتقى كلايندلر.

كتب مذكرة وحولها الى مكتب معمر القذافي الذي حولها اليّ وطلب مناقشتها مع فرحات بن قدارة فجاء وهذا ما حصل في ضوء قرار مجلس الأمن الذي يطلب تنفيذ اربعة شروط: الاعتراف بالمسؤولية، نبذ الارهاب، التعويض ثم التعاون في التحقيقات. عملنا على المسؤولية المدنية وأحضرنا مستشارين وعملنا على كل فقرة وأنشأنا لجنة برئاستي وعضوية محمد الزاوي الذي كان سفيراً في لندن وهو الآن أمين المؤتمر الشعبي العام وعبدالعاطي العبيدي الذي كان نائبي للشؤون الاوروبية، وهو الآن وزير الخارجية، وموسى كوسى أيضاً كان معنا. بدأنا نناقش موضوع التعويضات وذهبنا الى معمر القذافي واجتمعنا أنا والعبيدي والزاوي معه ربما أكثر من خمسين مرة وكان يرفض رفضاً باتاً.

> ماذا كان يقول القذافي؟

- كان القذافي يقول نحن مظلومون ولا يمكن أن ندفع. هم أيضاً قتلوا. لماذا يقتل الاسرائيليون ولا يدفعون ويكرر مثل تلك الخطابات؟

> هل كان ينفي اي علاقة بتفجير لوكربي؟

- كان يقول لا علاقة لنا بلوكربي فلماذا ندفع التعويضات. الحقيقة كان هناك وزير بترول اسمه عبدالله البدري هو الآن أمين عام منظمة «اوبك». أنشأنا لجنة التعويضات برئاسة محمد عبدالجواد وهو رجل مال ليبي كان مسؤولاً عن الاستثمارات وهو متزوج من قريبة للرئيس حافظ الأسد. ذهبوا وتفاوضوا مع كلايندلر والمحامين الاميركيين حول المبلغ الذي سيدفع وكان آخر تصور ان ننشىء حسابا لولبيا مثل خطاب الاعتماد: نضع مبلغاً ثم عندما تحضر ورقة معينة نضع مبلغاً آخر. قلنا عندما يرفع الحظر الاميركي ندفع أربعة ملايين دولار، وعندما يرفعون الحظر الدولي ندفع أربعة ملايين، عند شطب اسم ليبيا عن لائحة الارهاب ندفع مليونين عن كل ضحية فيكون المبلغ الاجمالي عشرة ملايين عن كل ضحية، وفي النهاية دفعنا 8 ملايين عن كل ضحية. فذهب محمد عبدالجواد وتفاوض ولكن عبدالله البدري عندما كان وزيراً للنفط قال هذا المبلغ سأسدده من عائدات النفط من امتياز واحد.

طلب القذافي من محمد الزاوي وعبدالعاطي العبيدي الاجتماع شخصياً بالمحامين واحضار جواب نهائي والتأكد من عدم وجود عمولات. عادوا واجتمعت معهم وقالوا ان كل الامور جيدة. حولنا المبلغ الى مصرف التسويات في سويسرا وجهزت رسالة في نبذ الارهاب واستشرنا محامين دوليين واساتذة وقلنا انها مسؤولية المتبوع عن التابع: لا أعترف بمسؤوليتي ولكن أعترف بمسؤوليتي عن أعمال موظفين يعملون لدي، مثل ان ترسل سائقك الخاص لشراء خبز فيدهس شخصاً في الطريق فتكون أنت غير مسؤول عن الناحية الجنائية ولكن من الجانب المدني أنت تدفع (الديّة)، فنحن اعترفنا بالجانب المدني ونعتبر ذلك من الانجازات المهمة جداً.

المقرحي والسرطان

> بخصوص الافراج عن عبدالباسط المقرحي هل صحيح انه تم تزوير أوراق انه مصاب بالسرطان؟

- هذا غير صحيح. أنا قابلت ديفيد ميليباند وزير الخارجية (البريطاني) حين كنت وزيراً للخارجية وفي الأمم المتحدة وكنت في زيارة رسمية الى واشنطن واستشرت طبيباً ليبياً من أشهر الاطباء في العالم اسمه ابراهيم الشريف ولجنة طبية وكان الرجل مصاباً بنوع من السرطان تم تشخيصه بالاجماع من قبل جميع الاطباء. انه سرطان قاتل ولا أمل في الشفاء منه. اما ما قيل عن صفقات وضغوط فهذا غير صحيح. كانت هناك شحنة انسانية كبيرة وعندما ترى عبدالباسط المقرحي في حالته المرضية تتأثر فهو كان انساناً منهاراً. وخلال شهرين تغير 180 درجة.

> ما هو وضع المقرحي حالياً؟

- انه غائب عن الوعي وتعبان.

> وهكذا عاد القذافي يستقبل ضيوفاً غربيين، استقبل توني بلير.

- استقبل كثيرين: غيرهارد شرودر وتوني بلير وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي وكثر وقفوا في الطابور لمقابلة القذافي، وبتشجيع اميركي.

> هل كل هذا بسب النفط؟

- لا ليس من أجل النفط بل لإثبات أن من يتوب ترضى اميركا عليه ويرضى العالم عليه ولتشجيع الآخرين من الدول المارقة مثل ايران وكوريا الشمالية وفنزويلا على الاقتداء بليبيا. لأول مرة توضع دولة على لائحة الارهاب ثم تشطب. ثم ان ليبيا مهمة جداً في الجغرافيا السياسية.

> من استقبل القذافي من المسؤولين الاميركيين؟

- زارتنا كوندوليزا رايس وديفيد ولش وعدد من الشيوخ والنواب. ثم زارنا ساركوزي. ثم زار القذافي اوروبا: البرتغال وفرنسا وفتحت له ابواب ايطاليا واستقبل فيها استقبال الفاتحين.

> كيف تصف علاقة القذافي برئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني؟

- كانت علاقة ودية جداً. برلسكوني كان يرى في معمر القذافي شخصية تاريخية نادرة واستثنائية.

> ماذا كان يقول عن المسؤولين الغربيين والاميركيين؟

- معمر لا يقصد دائماً ما يقول، فقد يشكر شخصاً في الصباح ثم يذمه في المساء، أو العكس. لماذا هذا الحب لبرلسكوني؟ لأنه قبّل يده مباشرة على الهواء واشاد به وشكره. وهذه كانت رسالة خاطئة من معمر. معمر القذافي الآن مشوش، يقول: أنا خرجت من مواجهات مع فرنسا في تشاد، دخلت في حروب غير مباشرة مع بريطانيا، اميركا قصفتني وحاربتني، لوكربي، «يوتا»، أسلحة الدمار الشامل، كلها خرجت منها معافى.

> ما قصة أسلحة الدمار الشامل وكنت يومها وزيراً من تفجير لوكربي.jpgللخارجية؟

- كانت الزعامة هاجس القذافي ولا تستطيع أن تكون زعيماً ما لم تكن قوياً فاذا امتلكت أسلحة دمار شامل ستضعف أمامك الدول المقابلة لك. للأسف اندفعوا باتجاه السلاح الذري والكيميائي والجرثومي، وكانت مصدراً للنهب والعمولات لأنها مصاريف سرية وأنا أشك أن ليبيا كانت فعلاً قادرة على أن تنجز سلاحاً ذرياً.

النووي وعبدالقدير خان

> من هم الخبراء الذين عملوا في مشروع البرنامج النووي الليبي؟

- كان بينهم الباكستاني عبدالقدير خان وعلماء من ليبيا ودول عدة قد يكون بينها كوريا الشمالية. أنا عُينت يوم 3 آذار (مارس) 2000 وزيراً للخارجية وذهبت يوم 9 آذار (مارس) 2000 مع موسى كوسى الذي كان مديراً للاستخبارات ومعي مفكرة أظن فيها عشرة أو 12 نقطة. وبعد أقل من أسبوع من تعييني ذهبت الى القيادة في طرابلس ومعي موسى كوسى وقلت للأخ معمر أنا أريد أن أعمل ومعي هذه الأجندة فغضب غضباً شديداً وتركني ومشى. لحق به موسى كوسى وأنا غادرت بسيارتي. بعد ساعة جاءني موسى الى مكتبي وقال سنعقد المؤتمر الشعبي العام خلال أسبوع أو أسبوعين لكي تُعزل لأن القذافي غاضب منك. بعد يومين أو ثلاثة استدعاني القذافي لوحدي، وهو عنده طريقة خاصة، وقال لي: انك قبل يومين قلت لي كلاماً لم أفهمه. فهو أحياناً لا يحب أن تتحدث اليه أمام شخص آخر، عندما تكون منفرداً به يختلف الوضع وهو فكر بالكلام الذي كنت قلته له. وتحدثت عن المؤتمر الشامل وكيف نحل مشاكلنا فاستمع الي استماعاً مطولاً، وقلت له أن ايطاليا تستطيع أن تنتج سلاحاً ذرياً في خمسة أيام واليابان خلال 48 ساعة أما نحن فسيعادوننا ويسببون لنا المشاكل، فاستمع حقيقة اليّ. وكان المسؤول عن (البرنامج) المهندس معتوق محمد معتوق وهو الآن وزير البنية التحتية، قال لي القذافي أن أناقش هذا الموضوع مع معتوق. تحدثت الى معتوق فقال لي: ما رأيك يا عبدالرحمن أن نعمل شيئاً آخر بالنسبة الى البرنامج الذري: نأخذ شبابنا العلماء في الفيزياء الذرية وننقلهم الى باكستان ونزودهم ببطاقات شخصية باكستانية ولا يعلم بهم أحد بحيث يكونون خلال سنتين أو ثلاثة جاهزين بالكامل ويصبح لدينا المعرفة. وعدت الى معمر فوافق وذهبت الى باكستان.

> من قابلت في باكستان؟

- قابلت برويز مشرف في قصر الرئاسة وحاولت التحدث اليه عن المشروع فلم يعلق وغيّر الحديث كأنه لم يكن يريد ان يتحدث في ذلك المكان. في اليوم التالي استدعاني الى قاعدة جوية وقلت له الفكرة فاستحسنها. واتفقنا على هذا الأساس أن يتلقى العلماء الليبيون الخبرة ويبقون في سبات كالخلايا النائمة. اي تكون عندنا المعدات والخبراء والمواد ونقرر عندما تسنح الظروف الدولية. تفاهمت مع معتوق أن هذا مخرج مشرف لمعمر وعليه ألا يخاف.

> هل قابلت عبدالقدير خان في باكستان أم كان يزور ليبيا؟

- لم أقابله. معتوق والخبراء كانوا يقابلونه عادة خارج ليبيا، وقد يكون زار ليبيا ولكن ليس لدي علم. في 2001 في بداية عهد جورج بوش الابن في الرئاسة، طلب مني معمر قبل ذهابي الى الجمعية العامة أن أقابل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وأطلب منه ان يكلم بوش لتطبيع العلاقات بين واشنطن وطرابلس . قابلت الرئيس بوتفليقة فأعلمني أن لديه موعداً في اليوم التالي مع الرئيس بوش وسيبلغه. بعد يوم من اللقاء امسكني بوتفليقة من يدي في الممر بين الجمعية العامة ومجلس الأمن وقال لي: قابلت الرئيس بوش ويقول لك التالي: «إما أن تنزعوا أسلحة الدمار الشامل أو سيدمرها هو بنفسه ويدمر كل شيء من دون نقاش». قلت للرئيس بوتفليقة أنني قلت هذا الكلام للأخ معمر فقال لي أنت جبان وخائف، فقال لي الرئيس بوتفليقة: «بلغه أن لديك شقيقاً في الجبن والخوف هو عبدالعزيز بوتفليقة». كنت أبلغت القذافي أن علينا التخلص من هذا البرنامج فنحن لا نحتاج (هذه الاسلحة) وليس لدينا عدو، ولا أرض محتلة، وتخزينها صعب وقد تتسرب وتتسبب بكارثة ولدينا أولويات (تجاه) شعبنا فاعتبرني القذافي فزّانياً جباناً (فزّاني نسبة الى أهل الجنوب وهم ناس طيبون يحبون القرآن وغير عدوانيين فيعتبرهم البعض جبناء، فليس بيننا قطاع طرق أو من يهجمون على قبيلة لأخذ إبلها فهذا في عرفنا حرام، وأغلبهم يعيشون في واحات وهم متدينون ويقرأون القرآن ولا يأخذون مالاً حراماً).

في 2003 أو 2004 كان هناك قمة افريقية في مابوتو في موزامبيق وكنت أنزل في فيلا ومعي عمرو موسى وجلسنا سوياً الى العشاء فاتصل بي نوري المسماري مدير المراسم في ليبيا (هو الآن منشق) وأبلغني أن الأخ القائد يريدك ان تأتي بسرعة، فسألته مَنْ معه؟ فقال معه الرئيس بوتفليقة. فاستأذنت عمرو موسى وذهبت اليه فوجدت معه الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وبعد السلام قال: ها قد جاء عبدالرحمن (شلقم) فأبلغني ما قصة انه شقيقك؟ فروى له القصة: ان عبدالرحمن شقيقي في الجبن، فأنا جبان مثله. وأعدت على مسامع القذافي القصة. وقصة أسلحة الدمار الشامل لن أنساها أبداً وبقينا على اتصال. ثم ذهب سيف الاسلام الى بريطانيا وتكلم مع الاستخبارات البريطانية MI6 وقال ان معمر قرر وقف برنامج أسلحة الدمار الشامل. ولم يبلغني أنا بقراره بل تحدث في الأمر مع ابنه سيف الاسلام.

سيف الاسلام

> هل كان قصده تلميع صورة سيف الاسلام؟

- لا أعرف التفاصيل لكن أنا وجدت لديه تجاوباً وفي الختام الذي قام بكتابة الصفحة الأخيرة في هذا الموضوع هو سيف الاسلام ومعمر القذافي. سيف الاسلام اتصل بمقسم MI6 (الاستخبارات البريطانية) وترك رسالة صوتية يقول فيها: أنا سيف الاسلام ابن معمر القذافي وأريد أن أتحدث معكم فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل. حدد له موعد فقال انه يريد في المقابل تحسين العلاقات. في ما بعد استدعاني القذافي وأبلغني بما حدث وقال انه لا يثق بالاميريكيين والبريطانيين وسيضحكون علينا وسيوثقون أن لدينا أسحة دمار شامل، ورطوا صدام حسين ويريدون أيضاً أن يورطونا. أذكر أنني قلت له ايها الأخ القائد: النصارى لا يكذبون، والاميركيون لا يخافون منا (لا يخافون ولا يستحون) فمن نحن ليضللوننا؟ فقال لي أنت طيب وتصدق حتى هؤلاء الناس. فبدأنا جميعاً اتصالاتنا: موسى كوسى، كان مدير الاستخبارات، وعبدالله السنوسي، مدير الاستخبارات العسكرية، وأنا بالسياسيين. أنا اتصلت بالاميركيين والبريطانيين وجميع الأطراف، وموسى كوسى بالاستخبارات البريطانية MI6 والاميركية CIA كان ذلك في اوائل كانون الأول (ديسمبر) 2003 (بعد الغزو الاميركي للعراق). لكن للأمانة المفاوضات بدأت قبل ذلك وليس كما قال البعض أن القذافي خاف بعد غزو العراق، بدأنا التحدث في التخلص من برنامج أسلحة الدمار الشامل في 2001 وقد عتب عليّ القذافي في البداية ثم أثر عليه الرئيس بوتفليقة كما أسلفت.

يوم 18 كانون الأول (ديسمبر) 2003 اقترح علينا الاميركيون والبريطانيون أن يظهر معمر القذافي ويقول انه كانت لدينا برامج أوقفناها ويظهر بلير يشكره ويثني عليه ويظهر بوش. كنت يومها مع معمر وأبلغته ومعي مدير المراسم ولدينا ضيوف في القيادة فقال لي القذافي هذا كلام أرفضه رفضاً باتاً فسيضحكون علينا وأتكلم أنا ولا يتكلمون هم بعدي، هذه خدعة ومؤامرة. فدخلت معه الى منزله فقال لي أين أنت ذاهب أنت داخل الى منزلي؟ والقذافي للأمانة كان يتحملني فيما هو في مصلحته، وكان معنا نوري المسماري مدير المراسم فقال له: خذ عبدالرحمن خلصني منه أريد أن أنام. في صباح يوم 19 كانون الأول (ديسمبر) وكان يوم جمعة ذهبت الى مكتبي وجاءني موسى كوسى مدير الاستخبارات حوالى الساعة التاسعة ثم التحق بنا محمد الزاوي وكان سفيرنا في بريطانيا وعبدالعاطي العبيدي نائبي في الشؤون الاوروبية وكان الاتفاق ان لا بد من حسم الموضوع اليوم. فاقترح معمر أن نحضر تسجيلات: يسجل تصريح القذافي على شريط مرئي تلفزيوني ويسجل تصريح بلير وتصريح بوش كذلك، رفض الاميركيون والبريطانيون ذلك وأصروا أن يتحدث القذافي أولاً. واستمرينا في هذا الموضوع من التاسعة صباحاً الى الثامنة والنصف ليلاً ونحن نكتب بيانات وهم يعترضون وقد أجرينا ربما خمسين مكالمة مع MI6 وسبعين مكالمة معCIA في ذلك اليوم. وأتذكر أن موسى كوسى أغمي عليه من الارهاق. وتحدثت مع معمر القذافي هاتفياً أكثر من عشرين مرة وعبدالله السنوسي وسيف الاسلام القذافي. ثم ذهب عبدالعاطي العبيدي ومحمد الزاوي الى القذافي وكان في مزرعته يوم الجمعة قرب طرابلس ليناقشوه وكان متوتراً. في الساعة التاسعة ليلاً أبلغنا الاميركيون أن الخبر قد يتسرب الى الصحافة واذا تسرب «احترق» كل شيء. وكنا نعدل في مشروع البيان ونضيف ان ليبيا لديها برامج كانت «قد تؤدي» أو «ستؤدي» أو الصياغة الأفضل الى أن أقنعناهم أخيراً أن أتحدث أنا ومعمر يؤيدني لكنه قال «لا»، «أنا ما ليش دعوى». قلت له ايها الأخ القائد بلير وبوش ينتظرونني فضحك وقال لي «يا سلام من أنت الذي تتصور ان بلير وبوش ينتظران حضرتك لتطل بطلتك البهية وهم يتداعيان ويتسابقان ويتقافزان للتعليق على كلامك أو تأييدك. يا رجل ألم أقل لك انك بسيط». أخيراً توصلنا الى أن نكتب نحن بياناً باسم معمر القذافي تبثه وكالة الأنباء الليبية أن القائد معمر القذافي استمع الى ما قاله أمين اللجنة الشعبية العامة (من دون تسميته) صفتي كانت كبيرة: أمين اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي للجماهيرية العربية الشعبية الاشتراكية العظمى، المهم قبلوا هم بهذه الصيغة وأنا خرجت وألقيت بياناً في مؤتمر صحافي وبثينا التعليق المنسوب الى معمر القذافي في وكالة الأنباء فخرج بلير فوراً وعلّق ولحقه جورج بوش الابن واستحسنا ذلك وهكذا.

ثم بدأنا في برنامج تفكيك أجهزة الطرد المركزي وتسليم بعضها للاميركيين ثم جاءت وكالة الطاقة الذرية. وبدأنا في تفكيك هذه الملفات «الألغام» الى أن وصلنا الى ما وصلنا اليه من تطبيع القذافي وتوني بلير ثمن المصالحة.jpgكامل مع المجموعة الدولية وشطب اسم ليبيا من قائمة الارهاب ورجعنا الى وضع الدولة العادية.

> هذا يعتبر إنجازاً لأنكم قدمتم للقذافي فرصة لانقاذ نفسه.

- طبعاً، لكن معمر فهمها على طريقته لأنه يعتقد ان هناك قوة غيبية تحميه. الفارق ان جميع مشاكله كانت مع الخارج أما الآن فقد دخل في مواجهة مع شعبه. جزء كبير من الشعب الليبي كان مع معمر لكن عندما رأوه يقتل الناس تغيّر الوضع.

* غداً حلقة رابعة

الأحد، يوليو 17، 2011

صالح بن عبدالله السليمان: هل معمر القذافي حصان طروادة ؟

هل معمر القذافي حصان طروادة ؟

انتشر في الآونة الأخيرة حديث عن دراسة باسم " القذافي ... غرابة أطوار أم حلقة في مخطط ". هذه الدراسة صدرت عن " مكتب الدراسات الفلسطينية - حركة فتح" والذي تحول لاحقا إلى "مركز الدراسات الفلسطينية" وأصبح يتبع السلطة الفلسطينية, في 20 كانون الأول (ديسمبر) 1979 أي قبل ما يزيد عن 35 سنة , ونشرت دون ذكر اسم الكاتب مما أثار جدلا حينها ثم اختفت الدراسة ولم تذكر إلا مؤخرا .

ولكن الذي لا يعرفه الكثيرون أن مؤلف هذه الكتاب هو الرئيس الفلسطيني حاليا السيد محمود عباس "أبو مازن" , بالرغم من انه لم يضع اسمه على الكتاب. وهذا مدعاة للتأكد من أن كاتبها هو أبو مازن نفسه , فحين صدور الدراسة عام 1979 كان" أبو مازن" محمود عباس الذي كان يرأس وقتها لجنة دراسات مقرها دمشق ’ ولا يمكن أن يخرج كتاب أو دراسة عن هذا المركز بدون موافقته وإطلاعه . ناهيك أنه وافق على صدورها غفلا من اسم مؤلف أو حتى إشارة له , مما يعني أنها صدرت عنه هو , وانه هو كاتبها .
بالطبع الكل يعرف السيد أبو مازن وانه مقرب جدا للولايات المتحدة الأمريكية . وقد ضغطت الولايات المتحدة وأوربا على ياسر عرفات "أبو عمار" أن يتم تنصبه رئيسا للوزراء في السلطة الفلسطينية باستخدام سلاح المساعدات المؤثر جدا في قرارات الفلسطينيين . وهو يعرف الكثير من خفايا السياسة الأمريكية , بل وفي النهاية أصبح متعاونا إلى حد كبير معها . نحن هنا لسنا في جدل حول تخوين أو تقرير من هو الصواب والخطأ فهذا ليس مجالنا . ولكن فقط لإثبات أن الكتاب الذي صدر منذ عقود . كان له مصداقية , مصداقية المؤلف ومصداقية المعلومة .
الدراسة تتلخص في أن الولايات المتحدة زرعت القذافي في السلطة لتحقيق عدة مآرب لها في أوربا والعالم العالم العربي وهي ليست طويلة ومن شاء الاطلاع عليها كاملة فليبحث عنها فهي منشورة على الأنترنت .
والمؤيد الثاني لصحة ما ورد في هذه الدراسة هو صدور رواية ( يقال أنها خيالية )عن أيريك جوردان ( Jordan Eric ) تتكلم عن زرع رئيس أمريكي صهيوني في البيت الأبيض لمساعدة إسرائيل . وهذه صدرت باسم عملية الخليل (Operation Hebron ) عام 2000 .
والعجيب والملفت للنظر حقا أن اييريك جوردان Eric Jordan هو الذي شغل أكبر منصب في CIA)) السي أي أيه الأمريكية في ليبيا في ذلك الوقت . إذا شغل منصب مسئول نشاطات الوكالة في ليبيا إبان حكم الملك إدريس السنوسي , وكان مكلفا بتلك المهمة تحت ستار المساعدة في تكوين جهاز المخابرات الليبي وقتئذ و تولى شخصيا قيادة فريق من عملاء الاستخبارات الأمريكية من الأمريكيين والليبيين والعرب وغيرهم . وكان دوره الرئيسي الحفاظ امن النظام الملكي الليبي بتكليف من السي أي أيه ( كما يقال) . والغريب أن Eric Jordan غادر ليبيا فجأة بطائرة أقلعت من قاعدة هويلس صباح الثاني من سبتمبر 1969هو وبعض العملاء المهمين للوكالة .
فهل تكون روايته حول زرع رئيس أمريكي صهيوني حقيقة تمت ولكن باختلاف الأمكنة والأسماء؟ وهل الخيال الذي ذكره كان واقعا بالنسبة له في مكان آخر ؟
ولماذا كان توقيت انقلاب القذافي على الملك السنوسي قبل أيام فقط من تنحي الملك السنوسي عن العرش ؟. بل وكان قد كتب خطاب التنحي . وسبّب التنحي انه كان كبيرا في السن ولا يمكنه مزاولة أعباء الحكم , الخطاب ذكرته عدة مصادر والذي حدث انقلاب القذافي العسكري قبل أن يعلن, وأعلن بدله البيان الأول
هل كان القذافي هو حصان طروادة الذي استخدمته " السي أي ايه" للدخول على عبد الناصر ؟ وتدمير فكرة القومية العربية وحركة التحرر العربي من الداخل ؟
والذي يحير المطلعون في الشأن الليبي , إن اكبر الإنجازات التي يدعيها القذافي وهي انسحاب وجلاء القوات الأمريكية عن قاعدة (هويلس). لم يكن من القذافي نفسه . بل كان مقررا قبلها بأكثر من سنتين . وكان العمل جاريا على نقلها إلى أثيوبيا وهذا ما تم بالفعل وهذا مذكور في وثائق العسكرية الأمريكية في مكتبة الكونجرس . ولم تعمل أي من هذه الدول وفي كل مراحل العداء المعلن بينها على أخراج هذه الحقيقة للعلن .
والذي يجعلنا نثق في صحة هذا أكثر أن الجلاء تم وبسرعة رغم انه لم تكن في ليبيا أي قوة عسكرية تستطيع إجبار اكبر قاعدة أمريكية في الخارج على الجلاء . هل خرج عليهم القذافي الذي أعلن هو نفسه انه لم يكن يملك سوى بضعة بنادق و 150 طلقة وخوفهم بها ؟
كما إن فكرته حول إلغاء الوجود الفلسطيني مقابل إضافة ثلاث حروف إلى اسم إسرائيل . ومقابل هذه الحروف الثلاث يتنازل العرب عن كامل الضفة الغربية وغزة والجولان ويطبّعوا علاقاتهم كاملة مع إسرائيل , تلقى ضوءا على دوره في حماية الكيان الصهيوني . يتعدى دور من يتباحث معهم هذا الكيان من المنهزمين العرب والمنبطحين, لكي ينالوا ولو جزأ من باقي فلسطين ليحفظوا به ماء وجههم أمام شعوبهم وأمام التاريخ .
و دورة في مساعدة إسرائيل والعمل معها في تحقيق حلمها بتقسيم السودان يعزز الشك في انه لم يكن يؤمن بما يدعيه من ريادة للقومية العربية .
يقول احد رؤساء المخابرات اليهودية السابقين عن القذافي: "إن حكم القذافي يعتبر رصيدا لإسرائيل فمن غير القذافي وبطريقته التعصبية في الدعوة للوحدة العربية أن يحافظ على انقسام العرب".
والذي يجعلنا نكاد نجزم ونؤكد صحة المقولة بأن القذافي كان زرعا شيطانيا صهيونيا في علمنا الإسلامي والعربي هو تصريحه الأخير بأن زوال نظامه تهديد لأمن إسرائيل .
ألا يفسر هذا جاء في الملاسنة الشهيرة التي حدثت بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي كان حينها ولي عهد السعودية و القذافي في مؤتمر القمة العربي والتي دعا فيها الملك عبدالله , القذافي ليسأل نفسه عن الجهة التي أتت به إلى السلطة في ليبيا ؟

السؤال هنا :- كم من مرة قامت عمليات مثل عملية الجليل في وطننا العربي . وكم زرع شيطاني زرعوه في كيان امتنا .؟

إذا كان حسني مبارك وزين العابدين بن على عملاء لأمريكا وإسرائيل وثبت هذا بالأدلة القاطعة .
فهل يكون معمر القذافي هو حصان طروادة في عالمنا العربي ؟
وكم في أمتنا من حصان طروادة غيره ؟

وقى الله امتنا ونصرها ,,,
صالح بن عبدالله السليمان
كاتب مسلم عربي سعودي
http://salehalsulaiman.blogspot.com