الجمعة، أغسطس 26، 2011

نادر البطل، وأنا


شهيد آخر ينتقل إلى رحمة الله، نسأل الله أن يلحقه بأسياد الشهداء جوار الرسول الكريم في جنة الخلد

-------------------------------------------------------
نادر البطل، وأنا
-------------------------------------------------------

جالسا في مكتبي، ولعلي أداعب لحيتي كعادتي بينما أتصفح الإنترنت، عندما:
السلام عليكم، لو سمحت أبحث عن الأستاذ (…........).
رفعت رأسي نحو مصدر الصوت، لأرى شابا صغير السن، يصفف شعره بتلك الطريقة "المشوكة" التي تشعرك بأنه مر بحقل مغناطيسي جعله ينتصب، مبتسما كان، قميصه أبيض مزدان بكلمات إنجليزية، وملابس أمريكية القماش، باختصار، مادة رائعة مغرية للتنظير والقدح والنصح و..
- أين أجد أستاذ (…........)؟
والأستاذ (…........) هذا هو أنا لسوء الحظ، ما خطب هذا الشاب؟
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل، أنا هو (…........)، هل من خدمة.
جذب لنفسه كرسيا اعتدل به وأنا أدعو الله ألا يطيل، فأنا أظن نفسي مشغولا، وهذا الشاب يعاني ترفا من الوقت يقضيه في تصفيف شعره يكفيني لنوم بشخيره.
- سألت في استعلامات الشركة عن رئيس تحرير مجلة (…........)، فأرشدوني إليك.
انتفخت أوداجي وانتشيت وأنا أتخيله معجب يود الحصول على توقيعي؟ لم لا، ألست رئيس تحرير مجلة علمية مرموقة -بالنسبة لي على الأقل- سيشار إليه قريبا بالبنان؟
- نعم، هل من خدمة أقدمها لك؟
- اسمي نادر، نادر بن روين، أدرس في كلية الهندسة، وأعمل ضمن مجموعة تحاول تقديم المساعدة لبقية الطلاب من أجل رفع مستواهم في عدة مواد، كالبرمجة، و …....
(اعتدلت في جلستي وأنا استمع إلى إسهابه وأحاول إعادة تقييمه مجددا، أسلوبه مهذب وبسيط يشي بنبل محتد).
- أعجبتنا المجلة، ونود إن أمكن نشر إعلان عن المجموعة بها، و ….
(عدت إلى هرش لحيتي وأملي في التنظير عليه يتضاءل حسرات مع صورته الانطباعية عندي التي أخذت تعتدل وتكبر، قليل من الوقت وسأضطر إلى رفع رأسي لأعلى كي أراه، لا بد لي محاولة ترسيخ قدري وعلمي معه بكثير من مصطلحات مجاله كي يعرف كم أنا رائع).
- أي لغة تتقن؟ بي إتش بي؟ أي إس بي؟ وبأي "خلطة" تعمل؟ لامب أم وامب؟
واسترخيت وأنا أرتقب نتيجة إبداعي اللفظي عليه؟
- بل جوملا، وإن كنت أتقن بي إتش بي وأقدم دورات مجانية بها، لكل منهما مزايا وعيوب فالأولى …
(أُسقِط في يدي أخيرا، دون أن أُخفي إعجابي بتبدد الصورة النمطية التي كونتها عنه عندما رأيته فورا، يبدو أنني على عتبات درس جديد عنوانه: لا تحكم بالمظاهر).
- يسرني جدا التعاون معكم، و...
تبادلنا أطراف الحديث، وعلمت أنني أضفت إلى أرشيف أصدقائي واحد جديدا، صحيح أنه مشوك الشعر، صحيح أنه يصغرني سنا بعقد كامل، ولكنه صديق يفتخر به.
أيام تتالت، زيارات تكررت، نسخ من المجلة حُمِّلت بواسطة سيارته الخاصة للتوزيع على الطلبة، علاقات متفرعة نشأت، فقد صار صديقاً صديقي، ورابطة علمية عملية أسست بينهما.
صادف أن كان شقيقه طارق صديقا لصهري، فلم تنقطع أخباره عني بعد سفره إلى كندا، التي يحمل جنسيتها.

***

- هل سمعت بنادر يا (…........).
- ما به نادر؟
عاد من كندا وانضم إلى الثوار في الجبهات.
كم أنت رائع يا نادر، حطمت وأمثالك كل صورة نمطية تكونت لدينا عنكم كشباب رقيع لا يجيد إلا الاستماع للموسيقى والحديث عن نانسي عجرم.
- هنيئا له.
صَمَتَ صهري للحظات، وأنا أفكر في طريقة أتصل به عبرها علني أحييه، بل وأتحصل على مصدر معلومات للصفحة، لم ألحظ أن خطبا ما به، خطب يجعله يتمهل على غير عادته في الحديث، ليتابع:
- نادر استشهد في أحداث باب العزيزية.
…...................................
- أخاه طارق أخبرني بذلك.
ماذا أقول؟
لعنة الله عليك يا قذافي، قذفك الله في جهنم أنت وقذافييك الصغار الذين فَرَّخهم فكرك البغيض، أي صفحة قذرة في كتاب التاريخ ستهان بذكرك؟
لا حول ولا قوة إلا بالله، رحمه الله.
انتهت الكلمات القليلة التي تبادلتها مع صهري، ليتركني أجتر مرارة علقم أذاقنيه قذافي الشياطين، ألم يكفه سرقة عقود من أعمارنا؟ وتريليونات من أموالنا؟ وتجهيله وتحقيره لنا؟ ليطال خيرة شبابنا؟
أهداني هذا القذافي خبرا فاجعا آخر، قذيفة هاون سقطت في البناية الواقع خلف منزل الأسرة بقلب بطرابلس، فأفزع الأسرة وفيها من فيها من المصابين بهدايا القذافي لكبارنا من سكر وضغط، ولصغارنا من فزع ورعب.
لو كنت أنا من سيقع القذافي بين يديه، فسأسعى إلى التأكد من عدم وجود أية وسائط تصوير قبل أن...............................................
أسأل الله لك الجنة يا نادر، أسأله تعالى تفضلا في هذا الشهر، لك ولكل أبطال ليبيا، يا من تركتم كل مباهج الدنيا ووعودها وأنتم في مقتبل العمر والعمل والوعود، يا من تركت عملك المزهر في كندا تلبية لنداء الوطن والشهادة.
سأظل أذكرك بإذن الله مثلا أعلى يقتدى به مع من سبقك ويليك من أبطالنا، وقود الحرية في سبيل الله والوطن.

سأظل أتساءل يا نادر أنت ورفاقك الأبرار؛
هل سنكون جديرين بما أورثته شهادتكم لنا؟
هل سنكون أهلا بالوطن الغالي؟
هل سنحقق ما أردتم رؤيته فيه؟

والسؤال الأكبر: بعد أن يتم الله نعمته علينا بإهلاك عدونا وزمرته:
ماذا سنعمل بهذا الميراث الثقيل، ميراث الشهداء، ميراث نعمة الله بالتحرير؟

قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ - [الأعراف: 129]

هناك تعليق واحد:

  1. الله يرحمك ويدخلك فسيح جناته,,عرفته حين كان طالبا ,, كان يهتم بالبلد وينتقد في القدافي حتى شككت بان يكون من اللجان الثورية يريد جرنا معه,,,ولكن حرقته على البلد تبعد كل الشكوك
    ياااااااااااااااااااااا اللله ارحمه ياربــــــ

    ردحذف