الأربعاء، يونيو 22، 2011

بين الشفافية الدولية والعتمة العقلية

حين تجد كلامًا دون رابط ودون أدلة يطلقه صاحبه هكذا على عواهنه, معتبرًا الذين يلقى إليهم هذا الكلام هملاً من الناس لا يؤبه لهم ويطلق مجموعة من الأكاذيب ….. , فاعلم أنك أمام حالة يمكن أن يطلق عليها شكل متطرف من أشكال الكلام المرسل1.
فَضَّل الله عزَّ وجل الإنسان بنِعْمَة العقل، وفَطَرَ العقل على الاهتداء بالدليل، بل وحثَّ الإنسان على ضرورة بذل الجهد اللازم للعقل كي يستنير، في مفردة الوحي الأولى التي استفتح بها الخالق كتابه الكريم إقرأ“.
وقد ابْتُليت ليبيا منذ أربع عقود ونيف، بنظام حكم فريد، أدرك أن وسيلته الحصرية للبقاء، هي التجهيل الممنهج والقمع المنظم للعقول، كي تتعطل الأدمغة وتصبح مجرد أوعية لتلافيف المُخ، يسهُل استخفافها فتُطيع، وتقبل أن تخنع لمن أنكر حقها في الوجود2.
وإن سِلَّمْنا -جدلاً- بنجاح ممارسات نظام القذافي عبر وسائله الإعلامية والتعليمية في تجريد العقول من قدرتها على إبصار سوءات الواقع الليبي، المجرد من كافة مقومات الدولة الديمقراطية، فلا رئيس شرعي منتخب، لا دستور، لا فصل بين السلطات، لا حرية إعلام ومعلومات، لا تعددية، لا تداول سلمي للسلطة وفق انتخابات حرة ونزيهة، لا مؤسسات مجتمع مدني3، لا مفهوم للمواطنة، بل ولا وعي أساساً لدى الأغلبية الساحقة لليبيين بوجود هكذا حقوق حتى يطالبوا بها، ناهيك عن البُنى التحتية والتعليم والصحة والتخطيط، فإننا سنُسَلِّم -يقيناً- بأن ثورة 17 فبراير بإرهاصاتها4 شَكَّلت صدمة ترجيعية للعقول كي تستعيد قُدرتها على تَبَيُّن الواقع المرير الذي قاسته، فمن لم يستعِدْ رُشده على قبس نور الحرية في دول الجوار، استعاده على نيران كتائب القذافي والأشلاء المحترقة لضحاياها للعُزَّل.
بَقِيتْ عقول بضعة من أُسَرِنا وشبابنا في المدن المحاصرة أسيرة فخ إعلام القذافي، سواء كان أسْرُها إفراطاً في الجهالة المكتسبة منهجياً، أو تفريطاً في التعقل ارتكاناً إلى رغبة جامحة في أمان موهوم، فصارت تُردد أباطيلها دون وعي، كي تزداد ضلالاً، ونزداد حسرةً وأسفاً عليها.
ربما اعتقد البعض عبثية محاولة إذكاء جذوة الإدراك في هذه العقول الشاردة، ولكن الحقيقة غير ذلك، الحقيقة5 التي أبصرها الشيخ محمد المدني6 واستشهد دونها.
أراد نظام القذافي إظهار جماهيريتهكنعيم مقيم، زاعماً أنها تُجَسِّد خُلاصةَ سعي البشرية نحو الانعتاق، فهل ستصمد جَنتَّه أمام اختبار الفساد؟

دعونا نحتكم إلى الأرقام لنعرف:

ليبيا ومؤشر الفساد7 حسب منظمة الشفافية الدولية8:

خارطة مؤشر الفساد 2010
خارطة مؤشر الفساد 2010

الشفافية الدولية هي منظمة مجتمع مدني عالمية تقود الحرب ضد الفساد. تجمع الناس معاً في تجمع عالمي قوي للعمل على إنهاء الأثر المدمر للفساد على الرجال، النساء والاطفال حول العالم. مهمة الشفافية الدولية هي خلق تغيير نحو عالم من دون فساد9.

السنة الفهرس10 الترتيب بين الدول
2003 2.1 من 10 118 من 133 دولة
2004 2.5 من 10 108 من 146 دولة
2005 2.5 من 10 117 من 159 دولة
2006 2.7 من 10 105 من 164 دولة
2007 2.5 من 10 131 من 180 دولة
2008 2.6 من 10 126 من 180 دولة
2009 2.5 من 10 130 من 180 دولة
2010 2.2 من 10 146 من 178 دولة

الفهرس -وهو ذاته مقدار مؤشر الفساد- يمثل القيمة التي تحصلت عليها الدولة بناء على معطيات قدمتها بنفسها بشكل رئيس وتم التحقق منها وإخضاعها للتقويم الحيادي.

ماذا تعني هذه الأرقام؟؟
فشل نظام القذافي عبر نموذجيه (الحرس القديم، مشروع ليبيا الغد) فشلاً ذريعاً في امتحان الشفافية ومكافحة الفساد رغم مصادقتها الشكلية على وجوبه، فظل المؤشر يراوح مكانه عند ربع السُلَّم طيلة العقد الأخير.

هل ينتهي الأمر عند هذا الحد؟
أستعير الأسطر التالية دون تصرف:
ورغم كونها دولة نفطية ولا تعاني كثافة سكانية، فلا تشتهر ليبيا بتمتع مواطنيها بمستوى مرتفع نسبياً من الدخل، ما أثار دهشة الخبراء حول مستوى إدارة الشؤون الاقتصادية للبلاد، حيث تدل الإحصائيات على أن متوسط دخل الفرد فيها يقل عن 14 ألف دولار أمريكي، وهذا يجعل المواطن الليبي يحتل المرتبة 84 على مستوى العالم، وهو رقم عادي جداً قياساً بثروات البلاد وقلة عدد السكان11
نال الاقتصاد الليبي المرتبة رقم 100 من بين 139 بلداً في تقرير التنافسية الاقتصادية لعام 2010 ،2011 وهو ترتيب منخفض جداً مقارنة بالإمكانيات، وإضافة إلى ذلك لم تتمتع ليبيا بترتيب متقدم على مؤشر مدركات الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية، فقد احتلت ليبيا المرتبة رقم 146 من بين 178 بلداً في تقرير مكافحة الفساد لعام ،2010 ما يؤشر إلى انتشار الفساد المالي والإداري في الجهات الحكومية12

سقطت جماهيريةالقذافي في امتحان الشفافية ومحاربة الفساد بدرجة الرسوب-الفسادفي صحيفة أعمالها، فهل ستصحو العقول من غفلتها؟
أم ستستمر سُحب الدخان المتصاعد من فوهة الكتائب في حجب هذه الحقيقة عن العقول حتى تجعلها هدفها التالي؟




2تساءل القذافي في خطابه الناري الشهير (زنقة زنقة) مخاطباً الشعب الليبي بصلف: من أنتم!! وادَّعى في معرض حرقته أنه ود لو كان رئيسا كي يلقي الاستقالة على وجوهنا، ليسبغ على الشعب وصفاً يوافق مفردات قاموسه: جرذان!!!
3أثار العدد الثاني من مجلة عراجين حفيظة النظام فأقام الدنيا ولم يقعدها لاحتواءه على ملف يتناول المجتمع المدني، صودر مقر رابطة الأدباء والكتاب، وطًلب من أعضاءها إعادة تسجيلهم بالرابطة مع اشتراط تقديم صحيفة خلو من السوابق أخرجت الإعلامي محمد طرنيش عن تحفظه ليكتب مقالا عنونه باسم اللهم صلي على النبيفي صحيفة الشط.
4ثورتي تونس ومصر، والإنترنت برحابته الذي زلزل عروش أنظمة عتيدة توقعت انشغال الشباب بالعبث والإباحية عوضاً عن تلمس الطرق نحو الحرية.
5 “… لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعمسهل بن سعد الساعدي المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2406،خلاصة الدرجة: صحيح
7مؤشر الفساد -المسمى (CPI) اختصاراً- بجانب مؤشر البنك الدولي للفساد هي أكثر مقاييس الفساد المستخدمة في مختلف البلدان حول العالم. يعتمد على دراسات عديدة، ويُعرف هذا المؤشر بدقتة. ومن اجل عمل الدليل تقوم الشفافية الدولية بمسوحات تسأل رجال الاعمال والمحللين، من داخل وخارج البلد التي يقومون بمسحها، ملاحظاتهم حول مدى فساد البلد. الاعتماد على عدد قضايا الفساد الحقيقية لن يكون يُجدى بسبب اختلاف ومدى تطبيق القوانين يختلف بشكل كبير من بلد لاخر.
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%81%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9
10الدرجة الأعلى -10- تعني الاقل فساداً والاقل-1- للاكثر فساداً في نظام من عشر نقاط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق